رسالة إلى شبح صديقي المجهول!.. أخبرني أنك ما زلت حياً
عن كوابيس الحرب والطفولة… و ذكريات جميلة تخترق بشاعة الحياة
سناك سوري – خاص
تغزو رأسي تلك الذكرى التي كبرت محاولاً نسيانها كلما سمعت عن حالة جديدة من حالات الخصام مع الدنيا فأعود طفلاً متجاوزاً عقدين من عمري أركض خارجاً من المدرسة وكأن الحياة تفتح لي أبوابها وتسلمني دمشق أسرار “بحيراتها السبع” إلى أن أدخل ذلك الزقاق العتيق الضيق الذي كان كبيراً بالنسبة لحجمي الصغير آنذاك وتبدأ شقاوة الطفولة تتلاشى، وأنا أنظر إلى الرجل المنكسر أمامي لا أتذكر ملامحه أو ملابسه إذا كان شاباً يافعاً أم عجوزاً هرماً فقط عيناه ونظرته اليائسة هي ما أراه وعندما تزوراني في كوابيسي تقولان عمري ألف عام من التعب..
مجرد متسول يجوب المدن ويسكن الأزقة قلت لنفسي، ثم مررت بجانبه محاولاً تجاوزه لكنه يشدني من يدي بقوة ويسحبني ثم يعطيني ربطة خبز أخرجها من مكان ما، كما خرج صوته هامساً كنغمة حزينه (هل ترى ذلك البيت باللون الأحمر؟) وبخوف الدنيا أهز رأسي بنعم وصوته في أذني( أذهب هناك وأعطهم هذا الخبز وأخبرهم أنني انتحرت) قالها وهو يحدق بعيناي بنظره أرعبتني لم أفهمها حينها وما كان مني إلا أن رميت الربطة وأفلتت من يده راكضاً لا أعرف إلى أين كل مافكرت به هو النجاة من ذلك المجنون.. لكن أهو مجنون حقا؟ يومها كشفت لي “دمشق” عن وجه جديد لم أعرفه من قبل لم أر الشخص المجهول مرة أخرى ولم أستطع أن أعلم إذا كان قد انتحر أم لا وهل هو متسول أم غريب ، مجنون ، أم عاقل رفض أن يشرب من نهر الجنون..
اقرأ أيضاً:“فيضة” و”أم حسين” و”أم جهاد” و”لطفة”.. هل حقاً حدثت هذه الأمور في بلادنا؟
مرت سنين كبرت فيها وكبر معي كرهي لذلك الزقاق الذي كنت أتحاشى المرور به لكنه ظل يزورني ويذكرني بالأزقة والممرات المظلمة في هذه المدينة والتي غالباً مايكون أبطالها من المهمشين وذلك البيت الأحمر الجميل بات شكله مرعباً وكأنه مغطى بالدماء أفكر أحياناً أن أطرق الباب أن أعرف سكانه وقصة الرجل المجهول لكنني أضعف من أن أزور كابوسي فعندما قامت الحرب ضممت إلى كابوسي القديم مجموعة جديدة من الكوابيس من أقارب وأصدقاء سرقهم الموت بأبشع صوره ولأماكن كانت متنزهات الطفولة فيها أصوات ضحكاتي التي تحولت إلى بكاء، أغلقت الحرب أماكن الروح بالشمع الأحمر وحدها الذاكرة بقيت تتجاوز كل القوانين وتعيد كل شيء كما كان كأن شيئاً لم يحدث ووحده الكابوس الأول يخترق الذكريات الجميلة مذكراً ببعض بشاعة الحياة..
صديقي المجهول أنتظرتك كثيراً أن تبوح في إحدى تلك المنامات بما جعلك على حافة الحياة لكنك اخترت دائماً الصمت وبقيت عيناك تحدق بي معاتبة أني هربت ولم أنقذك..أتمنى أن تقرأ سطوري هذه وأن تتذكرني نعم أنا ذاك الطفل الذي أخفته يوماً وهو عائد من المدرسة ومازال شبحك يزوره في أحلامه..
أعلم أنك لم تقصد ذلك، أرجوك أخبرني أنك بخير وأنك كنت أقوى من فكرة الرحيل ومن كل الظروف القاسية؟ هل مازلت تسكن البيت الأحمر؟ أرجوك أخبرني أنه ملون بلون الحب لا الدم وأنك هناك مع أسرتك تتوسط أبنائك وربما أحفادك فأنا أخاف أن أزورك وأكتشف أن العكس هو ما حدث.
اقرأ أيضاً:في حمص مات قهراً صباح العيد