ماهو رأس المال الاجتماعي؟
سناك سوري – ريم خضور
تعتبر القيم المحرك الأساسي والبوصلة الأهم في حياتنا، وإن أردنا أن ننصفها نستطيع القول أنها الدافع الأكبر تجاه أي تصرف أو شعور أو قرار، ولعلّ العلماء الذين راقبوا ودرسوا سلوك الإنسان أكدّوا بما لا يحتمل الشك بأنّ ما يحرك سلوكنا وينمّي شعورنا تجاه حدث معين هي القيم. وبنفس الوقت معظم ردود أفعالنا السلبي منها والإيجابي يكون نابعاً عن قيمة معينة.
القيمة التي نتناولها في هذا المقال هي “رأس المال الاجتماعي”، ماذا يعني هذا المصطلح؟:
هو مصطلح اجتماعي يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
رأس المال الاجتماعي يتألف من: شبكات اجتماعية، وشبكات مشاركة مدنية، وعادات مشتركة في المجتمع.
إذاً فإنّ الركيزة الأساسية لهذا المفهوم هي قيمة الثقة وما تتضمنه من صدق وأمانة والتعاون والعمل الجماعي.
إنّ رأس المال هذا جزء لا يتجزأ عن رأس المال البشري بل هو المادة الفعّالة فيه. لكن إذا كان قياس رأس المال النقدي أو المادي كمياً، والبشري تعليمياً، فإنّ من الصعوبة بمكان قياس هذا الجانب أي رأس المال الاجتماعي. إنّ هذا الجزء أو الجانب من رأس المال البشري عزيز على القياس الكمّي أو العددي. وعندما يقاس يفقد قيمته وأهميته.
حسْب الباحث الاجتماعي “روبرت بوتنام” يتكون رأس المال الاجتماعي من الجوانب الإيجابية للحياة الاجتماعية، أي من شبكات العلاقات الاجتماعية والمعايير والقيم الإيجابية في المجتمع التي تمكن أفراده و شرائحه من التصرّف معاً بصورة فعّالة و مجدية لتحقيق أهدافهم المشتركة.
ماهي أهمية رأس المال الاجتماعي سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الأمم؟
يعتبر رأس المال الاجتماعي عنصر أساسي من عناصر النمو أو الازدهار الاجتماعي والثقافي، ومصدر المناعة الاجتماعية والثقافية والديمقراطية بل إنّ الوحدة الوطنية تتناسب طرداً مع درجة الثقة والمشاركة الاجتماعية والتطوعية في مؤسسات المجتمع المدني والازدهار الثقافي فيه.موقع سناك سوري.
كما ويوجد رابط قوي بين رأس المال الاجتماعي الغني والصحة العامة، فالإنسان اجتماعي بطبعه و القاعدة العلمية البسيطة تفيد اجتماعياً بالفعل أن مشاركتك المنتظمة في الأنشطة الاجتماعية لجماعة أو مجموعة أو نادي أو جامع أو كنيسة… أو حزب… أو في العمل التطوعي، يعادل السعادة التي تحصل عليها بنيل درجة جامعية أو بتضاعف دخلك.
ولعل ذلك هو ما دعا بعض الباحثين إلى تسميته باقتصاد الحب غير المأجور.
ماهي أساسيات بناء رأس المال الاجتماعي؟
كما سبق وأشرت أن رأس المال الاجتماعي أو اقتصاد الحب غير المأجور هو عبارة عن شبكة علاقات اجتماعية لها مقوماتها الأساسية والواضحة أهم قيمها هي الثقة، والتي من مواصفاتها القدرة على الامتداد الأفقي بين المجتمع كأفراد ومؤسسات والامتداد العمودي بين الدوائر الحكومية، والثقة لا تنشأ سواء أفقياً أم عمودياً لمجرد الرغبة فيها أو الحديث عن حسناتها أو الوعظ الدائم بأهميتها، إنها تنشأ في البيت والمدرسة والجامعة والشارع أو المجتمع بالتربية و التعليم النقديين، و القدوة الحسنة والممارسة اليومية، و تكافؤ الفرص و المساواة و العدالة والأمن الجسمي والفكري، وبتأدية كل فرد لواجبه نحو الآخر أو الآخرين كاملا ً دون رقيب أو حسيب.
وهذا يحتاج منا العمل على جميع هذه المستويات لتثبيت أول وأهم مكون لرأس المال الاجتماعي وهي الثقة وحتى نحسن عملية تعزيز هذه القيمة بالمجتمع علينا أن نحلل قيمة الثقة بالآخر وكيف تصبح لدينا أسلوب حياة.
مقومات الثقة هي:الفهم والتفهم مع وضع نفسي مكان الآخر، الوضوح بالتعامل والصدق بالتعاطي، التشاركية (بالأفكار والموارد) مع حماية الحقوق الفكرية والإنسانية. فحتى نرتقي بسلم الثقة علينا أن نفهم مكوناتها وبالتالي نحولها ليوميات أو أسلوب حياة.موقع سناك سوري.
أما عن المكون الثاني لرأس المال المجتمعي فهو التعاون والعمل ضمن فريق والذي يقتضي منا:وضع هدف مشترك وأرضية مشتركة ورؤية واحدة تحركنا جميعاً باتجاه ما نريد، البعد عن كل ما يشتت تركيزنا على أهدافنا والبعد عن الغوص في توافه الأمور أو شخصنة المواقف والقرارات، العمل بروح المحبة والإيمان والرغبة بما نقوم به، الإيمان بفكرة نجاح الجماعة أقوى وأهم من نجاح الفرد ونجاح الفرد لن يعطي الثمار المطلوبة إلا إذا كان يصب في مصلحة الجماعة.
وكمثال على أهمية وقوة رأس المال الاجتماعي لنفتح نافذة استكشافية على اليابان، يعود نجاح المجتمع الياباني وتفوقه إلى طبيعته المتميزة بنزعة عفوية للتواصل الاجتماعي، حيث الثقة تتجاوز محيط العائلة والنسب لتشمل قطاعات متنوعة وكبيرة من الفئات الاجتماعية التي لا تجمعها روابط القرابة، ولتسود في الجمعيات الطوعية، بشكل ساهم في المجال الاقتصادي في ظهور سلوكيات وممارسات وقيم مدعمة للتطور الاقتصادي.موقع سناك سوري.
إنّ الدرجة العالية من الثقة المتبادلة المنتشرة في المجتمع الياباني تعود أساساً إلى عوامل ثقافية، قوامها أعراف وتقاليد وقيم متجذّرة في المجتمع الياباني، وتُحتَرم لا يتم الحديث عنها وحسب.
واقع أليم:
إنّ رأس المال الاجتماعي في مجتمعنا السوري في حالة تآكل وانهيار لا في حالة نمو وازدهار. وربما يرجع ذلك إلى غياب العوامل والأسباب التي أشرت إليها، بالإضافة لسيطرة التكنولوجيا التي تم استثمارها بشكل سيء وساهمت في تحويل الناس إلى عبيد لها ومؤكد أنّ الحرب التي ألقت بوزرها الثقيل على عاتقنا وشوهت المفاهيم وساعدت على غياب الوعي تحت تأثير الصدمة الناتجة عن آثار العنف.
كل ذلك أشاع الفوضى وساهم في سيطرة الأنا على حساب فكر العمل المجتمعي المبني على التشاركية.
نحن نحتاج حالياً لتعزيز العلاقات المبنية على القيم الاجتماعية التي تربينا عليها بين أفراد المجتمع والتمسك بكل ما هو أصيل ويشكل مساحة مشتركة تجمعنا كالثقافة والقيم والعادات التي تميزنا وبشكل أو بآخر ترتبط فيما بينها ارتباطا وثيقاً. بدءاً من المدارس والجامعات والفرق التطوعية والجمعيات.
تساؤلات:
ما هي الفائدة المرجوة من الامتحانات العامة أو الحصول على شهادات مختلفة في مجالات التدريب والتنمية والماجستير والدكتوراة إذا كانت مقصورة على استرجاع الأجوبة المعروفة أو المعلومات وقلة من المهارات؟، وما دور المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز دور الفرد وربطه بالعمل المجتمعي بشكل فاعل؟، وهل سنصل لمرحلة يصبح العمل والتشبيك بين مختلف الجهات قائم على تعزيز رأس المال المجتمعي ليكون بوصلتنا نحو مجتمع متطور مستثمر لموارده المختلفة بشكل فعال؟، لا نحتاج لإجابات بل فقط للتفكير والوعي باحتياجاتنا نحن وكيفية تلبيتها ضمن منظومة الكل أكبر وأكثر تأثيرا من جميع أجزائه.
