الحصار والحرب وداعش هُزموا أمام خبز التنور الذي بقي صامداً وعاد إلى ألقه من جديد
سناك سوري-فاروق المضحي
لم تغب رائحة خبز التنور من شوارع “دير الزور” حتى في أشد أيامها سواداً، ورغم تراجع أعداد التنانير بفعل نقص الطحين أيام الحصار، إلا أن موائد الديريين ظلت تحفل بهذا النوع من الخبز التراثي ولو بالحدود الدنيا.(يعني ممكن رغيف بكل حي أيام حصار داعش)
يقول “محمود الراوي” من أبناء حي “الحميدية” لـ”سناك سوري” إنه وفي فترة ما قبل الحرب كانت المدينة تشهد منافسة كبيرة بين التنانير على إنتاج الخبز وذلك بسبب كثرتها، ورغم عدم وجود إحصائية لعددها لكنها كانت كبيرة جدا وتتواجد في كل حي وزقاق وسوق، حتى جاءت الحرب وبدأت تقل وتندثر وانحصرت خلال سنوات الحصار بالأحياء المأهولة وأصبحت تعد على أصابع اليد ولكنها مع كل الظروف الصعبة بقيت تعمل وفاءاً لزبائنها إضافة لكونها نوع من العادات والتراث فخبز التنور ارتبط باسم المحافظة التي تشتهر به كأشياء كثيرة أخرى.
سنوات الحصار لم يغب التنور
يروي الحاج “علي الخلف أبو حسين” لـ”سناك سوري” ذكرياته مع خبز التنور، قائلاً: «حين كنا صغار كان هناك تنور في حارتنا تقوم والدتي والجارات بصنع الخبز عليه ويتبادلن الأحاديث في جو عائلي تسوده الألفة ومع مضي الأيام أصبح التنور في كل منزل ولم نكن نعرف سوى خبز التنور في تلك الفترة».
مع دخول الحرب إلى المدينة اختلف كل شيء، كما يقول “أبو حسين”، مضيفاً: «بات علينا أن نتخلى عن كثير من الأمور والأشياء ومع اشتداد الحرب وفرض الحصار لم يعد بمقدورنا شراء الطحين وصناعة خبز التنور في المنازل لكنه بقي متوفراً في الأسواق في تنانير معدودة بسعر مرتفع عن الخبز العادي بسبب ارتفاع سعر الطحين في تلك الفترة».
بعد انتهاء الحرب وفك الحصار وعودة مؤسسات الدولة السورية، بدأت الحياة تعود نسبياً إلى ما كانت عليه سابقاً، «وبدأ كل شيء يتوفر واليوم بعد عامين ونصف على فك الحصار عاد خبز التنور إلى موائد الديريين بقوة وخصوصا مع ازدياد أعداد أفران التنور التي غزت الأسواق من جديد وعادت لتزيين شوارع وأسواق دير الزور كما تعوّد أبنائها عليها»، وفق “أبو حسين”.
يفضل الكثير من أبناء الدير خبز التنور في أكلات معينة ثرود اللحم وثرود البامية ووجبة الكباب والسندويش وغيرها من الأكلات الشعبية.
اقرأ أيضاً: بالصور: مطعم يقدم مأكولات الريف الساحلي بنكهة الجدة في اللاذقية
بين الريف والمدينة
يختلف خبز التنور بين الريف والمدينة في “دير الزور” سواء من حيث الحجم أو الطعم أو حتى التنور نفسه فالخبز المصنع في الريف تكون فيه القطعة أكبر إضافة إلى الطعم المميز الذي يمتزج برائحة أغصان الشجر الذي يستخدم في تشغيل التنور كما تقول “أم محمود” من قرية “البوليل” على عكس التنور الموجود في الأسواق حيث أن القطعة أصغر حجما إضافة إلى أنه يستخدم المازوت في تشغيل النار مما يجعل طعمه مختلف عن الخبز المصنع في تنانير الريف ولا يوجد في الريف تنانير لبيع الخبز فهي موجودة في المنازل وتقوم ربة المنزل بتحضير العجين ومن ثم صناعة الخبز بنفسها لأبنائها بشكل يومي.
صناعة الخبز وأسعاره
يقول “عامر المحمد” وهو عامل في فرن التنور: «نقوم منذ الصباح الباكر بتحضير كافة المستلزمات من عجين وتقطيع ومن ثم إشعال النار لتبدأ عملية الإنتاج في البداية كان العمل شاق ولكن مع الممارسة أصبح اعتياديا وهناك تنافس بين أصحاب أفران التنور لكسب الزبائن عبر تقديم الأفضل بسعر منافس حيث يباع رغيف التنور بـ ٢٥ ليرة واذا كان حجمه أكبر ٥٠ ليرة حسب الطلب ونحن نتحكم بالحجم عبر تصغير القطعة أو تكبيرها إضافة إلى أن البعض يفضل أن يرش فوق الخبز مادة السمسم».
المقارنة بين ما قبل الحرب وبعدها بالنسبة للأسعار صادمة جداً، حيث كان سعر الرغيف قبل اندلاع الحرب ٥ ليرات وهناك من كان يبيع ٣ خبزات بـ ١٠ ليرات وبحجم جيد يعتبر أكبر من الموجود حاليا في السوق.
صناعة التنور وأشكاله
لم تعرف “وفاء الحسين” وهي من سكان قرية “الشميطية” سوى تنور الفخار الذي تقوم بعض نساء القرية بتصنيعه يدويا، بطريقة تحتاج إلى مهنية لكن ليست معقدة، تضيف “الحسين”: «نأتي بتراب زراعي نضيف له التبن ونقوم بخلطهما بالماء ومن ثم تبدأ عملية صناعته بشكل دائري حيث تكون قاعدته في الأسفل كبيرة وكلما ارتفع يضيق ويصل ارتفاعه بين المتر أو أكثر بقليل حسب الرغبة بعد الانتهاء من تصنيعه يوضع حتى ينشف ومن ثم نقوم بتركيبه في مكانه».
في الآونة الأخيرة بدأت تظهر أشكال جديدة التنانير وهي صناعية تعمل على الغاز والمازوت انتشرت في فترة الحرب ولكنها اليوم ومع عودة كل شيء إلى وضعه عاد تنور الفخار ليكون هو المفضل بالنسبة لأبناء المنطقة.
اقرأ أيضاً: المرأة الريفية… زراعة وحصاد وطبخ وجلي وغسيل وتسوق