دفعنا ثمن منزل تسكنه الأشباح.. ذكريات الذين رحلوا لا تعوّض غيابهم
هل المنزل في البرازيل أجمل من ذاك الذي حرمت العائلة نفسها لشرائه في سوريا؟
بخطوات ثقيلة تعتلي “سمية” 57 عاما أدراج منزل أخيها في السويداء لتفقد الشقة التي تركها وعائلته بعد السفر والهجرة. ومثل تلك الشقة في أحيائنا منازل كبيرة خالية بعد هجرة الشباب والعائلات.
سناك سوري-رهان حبيب
المعلمة التي تسكن منزل أهلها ويجاورها منزل أخويها ومنزل ابن عمها وعمها المتوفي. غادر الجميع تقريباً طلبا للرزق منذ عدة أعوام. هدوء حزين هنا كان الأولاد يلعبون وفي المساء كانت أصوات المنازل وضجة العائلة تؤنس الحي.
تضيف: «عائلتنا كبيرة وأحد أخوتي بنى شقته فوق بيتنا على أمل الاستقرار ولم يخطر بذهني أنهم سيهاجرون ويستقرون في ألمانيا. أو أي دولة كنا نضحك، ونتخيل أننا عندما نكبر وتثقل همتنا لن نتمكن من صعود الدرج ويصيح ابن أخي عمتي بشيلك أنا».
اليوم تتسلق سمية الدرج بعد كل مطرة. لتتفقد المنزل الذي جُمع أثاثه بغرفة واحدة وتُطل من النافذة وفي الأيام المشمسة تفتحها. علها «تغير رائحة الرطوبة التي أمقتها بعد رائحة المنظفات والعطور التي كانت تلاقيني عندما كانوا هنا».
المعلمة تحاول تغطية دمعة تسللت على خدها لخلو المنزل من الأحباب وتردف الحديث بجملة “الله يسعدهم المهم يحصلو على حياة كريمة ويكونوا مجتمعين وقد نلحق بهم يوما ما”.
دفعنا ثمن منزل لتسكنه الأشباح
“نبيل” 69 عاما قبل سنوات استخرج براءة ذمة من المصرف العقاري بعد تسديد قرض ترميم استثمره ببناء طابق لابنه فوق منزله. القرض الذي لم يتجاوز مليون وخمسمائة ألف ليرة حينها سدده الأب من راتبه، ليضمن بناء منزل لابنه ويزوجه. لكن ابنه المهندس وزوجته سكنوه أربع سنوات ومع أول فرصة للسفر غادروا مع طفلين كانوا بهجة البيت وفرحته كما أخبرنا.
يضيف لـ”سناك سوري”: «حاولت وزوجتي مساعدة ابننا لتأمين سكن لائق فمشكلة السكن باعتقادنا أخطر مشكلة تواجه الشباب. وتساعدنا معه بتحمل أقساط القرض ليبقى قريبا منا لكن عمله كمهندس والراتب الشهري المتواضع له ولزوجته. لم يكفل لعائلتهم حياة مستقرة، حاولنا جميعاً البحث عن طرق لحياة أفضل ولم نجد إلا السفر».
الستيني الذي اشتاق لعائلة ابنه ولأحفاده. أردف متألماً: «لن أخبركم عن ألم الوداع لعائلة ابني والفراغ الكبير الذي حول المنزل الحلم إلى حديقة أشباح بدونهم. فلا ضحكات ولا أصوات ولا طفل يقرع الباب أن افتح يا جدي. أو خطوة ابني على الدرج صاعداً صباح الخير ضاحكاً يمازحني “أبو قحطان” رايح على الدوام محتاج شي وقد يصل إلى عمله وأنا أناجي ربي أن يحفظه لنا».
كل ذلك تغير كما أخبرنا الأب الستيني ورافقه شعور غريب هل يعقل أنه دفع أقساط منزل للأشباح. كل هذه السنوات ويتساءل: «ما ضرّ الأيام لو بقي ابني هنا يبعث الروح في منزله الذي كان حلما لنا وله».
وترسل “ليلى” الصغيرة 10 سنوات لجدتها “نهاد” 60 عاما بعض لقطات من رحلة العودة إلى منزلها في البرازيل. لكن الجدة تقاوم حزنها وتسألها هل منزلكم في البرازيل أجمل من منزلكم هنا وتجيب الطفلة طبعا هون. بإجابة بكلمات حفرت عميقاً في نفسها كما قالت: «لا تعرف ليلى كم تعب والدها لبناء هذه الشقة الصغيرة. وكم حرم وزوجته نفسيهما حتى اكتمل للسكن لكن ماذنب الطفلة إذا لم تجد الأمان والراحة لتكمل الحياة هنا أو كما كنا نتمنى».
لقد غادروا جميعاً ليبنوا حياتهم والهجرة لم تحدث فقط في السويداء بل بكل سوريا. رحلوا تاركين خلفهم أهلهم والكثير من الذكريات التي لا تكفي غيابهم. ورغم إدراك الأهل عدم إمكانية العودة إلا أن ركناً بعيداً في قلبهم يتمنى ألا يطول الغياب أكثر.