داني الأشقر يحوّل ذكرياته إلى مضافة مفتوحة أمام الزوار في السويداء
داني الأشقر يعيد بناء مضافة العائلة محتفظة بذات تفاصيلها القرن الماضي
قرر الشاب “داني الأشقر” وإخوته، إحياء مضافة العائلة في السويداء. وإعادة ترميمها لتعود كما كانت قبل عشرات السنين. ثم فتحها أمام الزوار ومحبي التراث لتكون شاهداً على تفاصيل جميلة عاشها أبناء المحافظة قبل عقود.
سناك سوري-رهان حبيب
يقول “داني” 40 عاماً وهو هاوي تصوير ويعمل كخبير سلامة في إحدى الشركات النفطية بالإمارات. إنه انطلق من ذكرياته القديمة التي احتضنتها المضافة التي تشكل له وللعائلة أهمية كبيرة. قياساً بحجم التفاصيل الجميلة التي عاشوها فيها. فقرر إنجاز المشروع رغم كلفته العالية.
إعادة إحياء المضافة بشكلها السابق، يكلّف الكثير من الأموال. وغالباً هذا ما يمنع أهالي المدينة من القيام بالأمر والاحتفاء بتراثهم.
يضيف “داني” لـ”سناك سوري”، أنهم رغبوا بحماية المضافة التي تقع بمنزل العائلة وسط المدينة من الاندثار. ليبدأ العمل الذي أعادها إلى تفاصيلها القديمة حيث الجدران مطلية باللبن والأرضية من الحجارة المسطحة.
وصل الحال بالشاب لدرجة إحياء مهنة صناعة طلاء الجدران باللبن وهو عبارة عن سيقان القمح التي تتم معالجتها للحصول على اللبن. يضيف الشاب أنهم استعانوا بخيرة وروثوها عن كبار السن ليعلّموا العمال ويدربونهم على “اللبن” وعجنه ومدّه على الجدران، وفق الطريقة القديمة بسماكة تتراوح بين 15 إلى 25 سم.
أزيلت طبقة الإسمنت القديمة، وتم التعامل مع الجدران الحجرية كما لو أننا رجعنا بالزمن لأكثر من 100 عام. حيث جرى تطيينها باللبن لنحصل على التكوين المطلوب. ونعيد الجدران للحالة الطبيعية جدران تتنفس صديقة للبيئة دون مكونات مصنعة، كما يقول الشاب.
داخل المضافة حاول الشاب الحفاظ على كافة التفاصيل القديمة، مثل المقعد الحجري العريض. الذي كان يستخدم عبر الزمن لاستقبال الضيوف وضمان منامة مريحة لهم.
المضافة في السويداء فندق للزوار
ويقول “داني”، إن المضافات كانت في وقت سابق بمثابة فنادق مريحة لكل زوار المدينة. يدخلوها آمنين ويودعونها بمثل ما استقبلتهم من حفاوة وتكريم.
وكانت المضافات في السويداء، تؤدي دوراً اجتماعياً بارزاً، حيث كان يقصدها زوار المدينة القادمين من القرى والمدن الاخرى. وتقطعت بهم سبل العودة حيث يبيتون ليلتهم فيها كما لو أنهم في منازلهم. بينما تقع على عاتق أصحاب المضافة مهمة تأمين كل مستلزمات الضيف من طعام وشراب. ومايزال بعضها حتى اليوم يؤدي المهمة ذاتها.
الشاب الذي يهدف إلى إعادة إحياء مضافة العائلة وفتحها أمام الزوار مجدداً. تحدث لـ”سناك سوري” عن مراحل إعادة ترميم النوافذ والأبواب التي لم تقل صعوبة عن باقي عمليات الترميم. خصوصاً لناحية البحث عن نجار يعمل بالنجارة والحدادة العربية التي لم تعد شائعة اليوم. وبعد بحث طويل وصل إلى سوق “المناخلية” في دمشق. لإنجاز حمايات النوافذ والأبواب بالطريقة القديمة التي تظهر بشكل جلي على الأبواب والنوافذ والأقفال التي أُعدت بطريقة الحرارة والطرق اليدوية القديمة.
ولم تنتهِ المهمة هنا، إذ كان لابد من تجهيز الكهرباء وتوصيلاتها كما كانت حين أنارت المضافة لأول مرة بعد وصول الكهرباء إلى السويداء القرن الماضي. حيث بدأت عملية البحث عن إكسسوارت نادرة ومفاتيح الكهرباء التي كانت سائدة حينها وهو الأمر الذي استهلك وقتاً طويلاً قبل أن يحالفهم الحظ بإيجادها من خلال البحث عبر شبكات التواصل للحصول عليها والشراء عبر الشبكة من أوكرانيا.
هاوي التصوير، الذي تفاعل مع الحالة التراثية في المدينة يخبرنا أن هواية التصوير وإحياء المضافة تتلاقيان عند غاية إظهار المدينة بصورتها الإنسانية. والحضور الإنساني والاجتماعي الجميل وحالة الأمان التي ميزتها والتعريف بالجزء الجميل من حياة سكان السويداء. والكشف عن مواطن الجمال فيها التي تعرضت للتشويه بعد الحرب على أمل السير باتجاه خطوات بناء السلام بالاعتماد على الموروث النقي والجميل فيها.