حين يباغتك “السل” في سجن عدرا هذا مايحدث لك!
سناك سوري-مذكرات سجين سابق
لن أنسى تلك الليلة التي جمعتني مع زميلي في زنزانة سجن عدرا “محمد سمارة” لآخر مرة قبل أن ينقل إلى مشفى الشرطة ليتعالج من مرض السل الذي كان قد امتد حتى رئتيه وقلبه كما أخبره زميلنا السجين الآخر الذي كان طبيباً.
حاولت عبثاً أن أخفف عنه معاناته، لكنه كان يدري أن الموت أكثر قرباً مني وأكثر أماناً وسكينة أيضاً، ذهبنا إلى الضابط المناوب وبدأت محاولات اقناعه بخطورة وضع “سمارة”، الأمر ليس سهلاً كما تعتقدون واسعاف “سمارة” كان يحتاج لأكثر بكثير من سيارة اسعاف تقله إلى المشفى ليلقى العلاج اللازم له، فقد كان يحتاج لتشكيل دورية اسعاف خارج السجن وهذا أمر معقد جداً لن يحله لفظك لأنفاسك الأخيرة.
اقرأ أيضاً: بعد سنوات على اعتقالهم الأمن يسأل الجيران عنهم!
«علينا أن ننتظر تشكيل دورية الإسعاف من قبل عناصر الشرطة وترتيب الأوراق المطلوبة لذلك وهو ما سيستغرق وقتاً انتظر في قسم الطبابة»، بكل برود قالها له الضابط المناوب وانتظر “سمارة” حتى اليوم التالي في الـ9 صباحاً ليتم تشكيل دورية الإسعاف حيث غادر “سمارة” بلا رجعة مودعاً إياي بكلمات قليلة ماتزال محفورة في ذاكرتي: «يا حارة أسبوع وبجي لا تهكل همي»، لم أتوانى عن البكاء حينها وأنا أعلم بأنها النظرات الأخيرة بيننا وبأن جسده الضعيف ربما يصمد لشهر أو شهرين بالحالة القصوة.
قصة زميلي السجين “سمارة” مؤلمة حقاً، كمئات القصص في ذلك السجن، لقد توفي والداه وشقيقته الصغيرة على باب السجن قبل نحو عامين أثناء قدومهم لزيارته وزيارة أخاه الأكبر المتهمان بقضايا محكمة الإرهاب على خلفية قرابتهم بأحد الأشخاص المرتبطين بفصائل إسلامية متطرفة، لقد توفوا جراء اصابتهم بشظايا قذائف الهاون التي تزامن سقوطها بالقرب من السجن أثناء زيارتهم له، والمفارقة أن الحكومة اتهمت فصائل المعارضة بأنها مصدر تلك القذائف، فأي قهر أكبر من ذلك تسجن عند طرف بينما يقتل الطرف الآخر عائلتك كاملة، لا بأس فجنون مايجري في سوريا أكبر من ذلك بكثير (موقع سناك سوري).
اقرأ أيضاً: وفاة سيدة بالثمانين من العمر في معتقلات فصائل المعارضة
لم يتلقّ “سمارة” ومثله مثل الآلاف من سجناء سجن دمشق المركزي “عدرا” أي مساعدة طبية أو مالية من قبل المنظمات الدولية أو المحلية على اختلاف توجهاتها السياسية معارضة كانت أم موالية، ولكن رغم التضييق الحكومي على الدخول للسجن ولقاء السجناء والتحدث إليهم إلا أن الأمر حصل ويحصل عدة مرات في العام إنما بزيارات لا فائدة منها سوى التنظير والوعود للسجناء بتحسين الوضع المعيشي والصحي خصوصاً، أياً من تلك الوعود لم يتحقق طبعاً (موقع سناك سوري).
وبوصفي سجين سابق في “عدرا” أجزم لكم أنه ليس من السهل الحصول على الرعاية الطبية في هذا السجن إنما سيترتب عليك الانتظار واقناع الطبابة لأيام بأنك مريض وعندما يصل دورك للمعاينة سيتعين عليك أيضاً إقناعهم بإعطاء الدواء وربما في حالات متقدمة تأخذ أسابيع طويلة للحصول على جلسة لمعالجة أسنانك (خلع الأسنان مجاناً أما المعالجة فعلى حسابك الشخصي) وربما بعض الصور الشعاعية، معظم هذه الخدمات غير مجانية وحتى في ظل مساعدة جمعية رعاية المساجين وأسرهم في سجن عدرا يأخذ الوقت أياماً طويلة ليصلك الدواء وربما قد تكون شفيت تماماً وأنت تنتظره أو تكون فارقت الحياة.
اقرأ أيضاً: سجن عدرا: مدرس مصري يعلم السجناء اللغة الإنكليزية