حان وقت قانون حماية النساء من العنف
حماية حياة الأشخاص ليست مسؤولية الأسرة فقط بل مسؤولية الحكومة أيضاً
تختلف قضية مقتل الزوجة الشابة “آيات الرفاعي” عن غيرها من جرائم العنف الأسري، لأنها طيلة حياتها الزوجية التي استمرت أربع سنوات كانت تتعرض للتعنيف من زوجها ووالديه، لتنتهي بقتلها على أيديهم ثلاثتهم، أما أهلها الذين زوجوها بعمر الـ 16 سنة، فقد أهملوا ما تعرضت له من عنف في بيت الزوجية دون أن يتدخلوا لحمايتها.
سناك سوري – لينا ديوب
قصة “آيات” التي كشفها للرأي العام منشور لجارتها على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، تذكرنا بقصص كثيرات قضين على يد الأخوة والأزواج، سمعنا ببعضها ولم نسمع بالكثير منها، لأن العنف داخل الأسرة مقبول اجتماعياً وغير مجرم بالقانون، ولأن الحكومة ورغم إنفاقها على قضية حماية النساء لم تزل لا تتدخل لحمايتهن.
تقول الناشطة النسوية “سوسن زكزك” لسناك سوري: «مسؤولية حماية الأشخاص في أي دولة فيها حكومة هي ليست مسؤولية الأهل فقط، وإنما هي مسؤولية الدولة أيضاً بكل مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية، لكن هنا لا نستطيع الحديث كثيراً عن المؤسسات غير الحكومية لأننا نعرف أن السياسة العامة في البلد لا تسمح بوجود منظمات غير حكومية تحديداً نسوية استناداً لتعليمات تنفيذية موجودة بقانون المنظمات غير الحكومية».
وتضيف: «الولد ليس مسؤولية شخصية عند الأهل ليقرروا مصيره حسب رغبتهم، خاصة أن “سوريا” صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وصادقت على اتفاقية سيداو وانضمت الى منهاج عمل بكين سنة 1995 وشاركت بمؤتمر” بكين”»، وهذا يوصلنا حسب “زكزك” إلى مسؤولية الحكومة عن حياة النساء سواء كن بنات صغار أم نساء فوق الـ18.
اقرأ أيضاً: باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء.. نحتاج قانوناً لحمايتهن من العنف
بيئة تشريعية قاصرة عن الحماية
ترى “زكزك” أن أول مشكلة قانونية بقضية “الرفاعي” هي إمكانية التزويج تحت سن الـ18 عاما، فجميع قوانين الأحوال الشخصية تسمح بالتزويج بأقل من 18 سنة إذا رأت السلطة القضائية، سواء القاضي بالمحكمة الشرعية أو الكاهن بالكنائس، إذا شاهدت تلك السلطة اكتمال الجسم، أو حرفياً إذا ادعى المراهق والمراهقة البلوغ، والمسألة الثانية أنه في “سوريا” لا يوجد قانون للحماية من العنف ضد النساء وبشكل خاص العنف الأسري، وأن غياب هذا القانون يترك النساء رهائن عند الأسر سواء الأب والأم والأخوة، أو الزوج وعائلته، إذا كانت أخلاقهم جيدة يعاملون النساء بطريقة جيدة والعكس صحيح، كما أن المواد الموجودة بقانون العقوبات ليست فقط غير كافية وهناك أيضاً مواد تمييزية كالتي تتحدث عن اغتصاب الزوجة.
البيئة التشريعية في “سوريا” قاصرة عن حماية النساء وبشكل خاص النساء الطفلات أو اللاتي يجبرن على الزواج في سن مبكر، حسب “زكزك” التي تؤكد على ضرورة سن قانون لحماية النساء من العنف وخاصة العنف الأسري، وتلفت إلى أن من أهم مرتكزات الحركة النسوية أن الشخصي سياسي، أي العلاقة بين أقرباء وقريبات النساء ليست علاقة شخصية إنما هي علاقة محكومة بسياسة ينتجها المجتمع، أيضاً بسياسة غير حمائية، لم تحاول الدولة اصلاح هذه السياسة الحمائية وذلك بخلق بنية قانونية حمائية خاصة للمستضعفات من النساء، مشيرة إلى أن رابطة النساء السوريات والتي هي إحدى عضواتها أطلقت عام 2021 حملة من أجل إقرار قانون للحماية من العنف ضد النساء وستتابع بالعام 2022 بالتعاون مع مجموعة من المنظمات هذه الحملة حتى نصل الى إقرار هذا القانون.
ندرة لجوء النساء للشكوى ضد الأخ والزوج
تقول المحامية “داليا قداح” التي شاركت على صفحتها الشخصية على الفيس بوك قضية “آيات” لسناك سوري: «أصبحنا بحاجة ماسة لقانون حماية الأسرة بسبب ازدياد الجريمة والعنف بحق المرأة والأطفال، لأنه بالرغم من أن قانون العقوبات السوري عاقب على جرائم الاعتداء على الأشخاص ابتداء من الذم والقدح والتحقير مروراً بالضرب والاعتداء البدني وتشويه الأعضاء وانتهاء بالقتل، حيث يعاقب على الجنح والجنايات التي تقع على الإنسان وتعرض سلامته للخطر ذكراً كان أم أنثى».
وأوضحت: «بمعنى إن النساء اللواتي يتعرضن للاعتداء المعنوي أو البدني يستطعن اللجوء للمحاكم وتقديم شكوى وإلحاق العقوبة بمن ألحق الأذى بهن إلا أن الواقع العملي أثبت ندرة لجوء النساء للشكوى ضد أب، أخ، ابن، زوج، لكن هذه القوانين لا توفر حماية كاملة للمرأة، لأنها تقتصر على تقديم الشكوى من المرأة حصراً ولا يوجد عقوبات مشددة في حال وقع الإيذاء من الزوج أو الأب أو الاخ كما أن إجراءاته طويلة ولا توفر حماية فورية للمرأة».
اقرأ أيضاً: غياب بعض القوانين وحيادية بعضها الآخر لا يحقق حماية النساء من العنف
وتتابع: «لذلك قانون العنف الأسري وبإضافة بعض المواد عليه مثل أن لكل ضحية أو شاهد أو عضو في الأسرة أو من تربطهم بها علاقات وثيقة وللقائمين على تقديم الخدمات الطبية باستطاعتهم تقديم بلاغ أو إخبار شكوى العنف الأسري، إلى الشرطة أو الادعاء العام أو أمام المحكمة مباشرة وبالتالي لا تنحصر الشكوى بالزوجة، كما أن وجود نص تشريعي صريح يحدد ويعرف ويصنف التدابير الواجبة في حالات العنف التي يرتكبها الزوج ضد الزوجة كتأمين مراكز إيواء للأسر المعنفة مما يشجع المرأة على عدم التكتم على تعنيفها وتعنيف أطفالها لأن معظم حالات التكتم والتي تؤدي أحياناً إلى جريمة هي الحالة المادية وعدم قدرة المرأة على تأمين معيشتها هي وأطفالها».
وأكدت أنه «يجب تأمين مراكز متخصصة لمعالجة النساء ضحايا العنف الجسدي والجنسي، وتشديد العقوبات بحال كان الشخص الذي أقدم على الذم والقدح والتحقير والضرب والاعتداء البدني وتشويه الأعضاء والقتل هو الزوج أو الاخ أو الأب وعدم تبرير هكذا جرائم بقصص الشرف وغيرها».
القانون داخل الأسرة
المحامية “رهادة عبدوش” تقول لسناك سوري، إن حماية القانون للنساء يجب أن تبدأ في الأسرة، وتضيف: «وتحدد هذه الحماية بوجود فصل كامل وخاص في قانون العقوبات يتضمن الحماية ويتفرع عنه عدد من الأقسام، وهي: القسم الأول بطرق التبليغ عن العنف وإيصاله إلى النيابة العامة التي يجب أن تحيله بدورها إلى لجنة خاصة بالتحقيق بالعنف الأسري تتضمن حماية تلك المرأة وأطفالها خلال فترة التحقيق ووجود طبيب شرعي يوثّق طبيّاً، واخصائيين/ات نفسيين/ات واجتماعيين ليقدموا تقريرهم عن الحالة».
قسم آخر يتعلق بالجرائم التي يجب المعاقبة عليها وهي التعنيف حسب “عبدوش”، وذلك بذكر تعريف للعنف يشمل النفسي والجسدي والاقتصادي والجنسي، وتحديد عقوبة لكل جريمة، تتضمن تعويض مالي وحبس إن كانت الجريمة جنحية و سجن إن كانت الجريمة جناية، الضرب و التهديد والحرمان، الاغتصاب الزوجي و الاستغلال كل ذلك يمكن ذكره ضمن أقسام خاصة في القانون ووضع عقوبة تتناسب مع كل جريمة، مشيرة إلى أن حماية النساء لابد أن يترافق بإيجاد أماكن تحميهن أماكن آمنة تشرف عليها الدولة والجهات المختصة والمجتمع المحلي.
اقرأ أيضاً: المرأة صاحبة المهمة الكبرى بحماية نفسها