سناك سوري – بلال سليطين
في عام 2005 كان في مدينتنا شاب عشريني يركب دراجة نارية وينتمي لبيئة فقيرة تشبه حال معظم أبناء المدينة، يأكل سندويشة الفلافل كل يوم وعند أول الشهر “يتبحتر” قليلاً ويأكل سندويشة سودة ويطلب من البائع أن يكثر لها البطاطا حتى يشبع وهذا لم يكن عيبه.
فجأة وبلمحة بصر عثر هذا الشاب على “كنز”، لم يكن هذا الكنز في جزيرة ولا تحت الأرض ولا في موقع أثري، بل في وظيفة حكومية ضمن مؤسسة على تماس مباشر مع المواطن الذي لم يعتد الحصول على حقه مجاناً بل عليه أن يدفع ليناله مع “منية”.
يوماً بعد يوم كانت معالم البحبوحة تظهر على هذا الشاب الذي لم يحتج أكثر من عام ليشتري سيارة، وعامين لينمو كرشه، وثلاثة أعوام لتصبح ابنته ضيفة على وسائل الإعلام كطفلة موهبتها الوحيدة أنها “ابنته”، وأربعة أعوام حتى يصبح صديق وزراء ومحافظين، وستة أعوام ليكون رجل له مواقف (وطنية).
استضاف هذا الموظف حديث الثراء على موائده في المطاعم كبار المسؤولين في البلاد، كنا نرى المحافظين والوزراء وحتى رؤساء الحكومات برفقته، يقبلون عزائمه وهداياه، وكذلك صداقته على فيسبوك حيث صوره مع سياراته وفي بيته (الفيلا) وترفه الواضح جداً دون خجل أو حياء من جيرانه المعترين أو المواطنين الذين يأكل مالهم كالمنشار عالطالعة والنازلة.
لم يسأله مسؤول من أين لك هذا، كيف لراتبك في هذه الوظيفة أن يكفي لتدعوني إلى عزيمة عشاء في أفخم مطاعم المحافظة، كيف لك أن تنظم وترعى (فعاليات وطنية) تصرف عليها عشرات الملايين لكي يظهر اسمك فيها؟ لم يلفت نظر الإعلاميين ثروته ولا بذخه فقط كان اهتمامهم أن يتصوروا معه وينشروا هذه الصورة على الفيسبوك “مع الأستاذ فلان.. مع المعلم فلان.. مع البطل فلان… الوطني فلان”.
اقرأ أيضاً: تصريحات ومقالات توهن عزيمة الأمة
في كل حدث بالمدينة تجده ضيفاً على صفحات السوشل ميديا، بث مباشر، صور وتصريحات، وفي مختلف المناسبات تجد الساعين للتقرب منه بالعشرات، حتى أن البعض وصل بهم الأمر للتقرب من طفلته مثلاً والتقاط صورة معها لنشرها على السوشل ميديا والإشارة له بها “مع ابنة الأستاذ فلان اليوم”.
هذا لا يعني أن هذا الموظف الفاسد المحترم، ليس لديه أي مواهب، فهو يعرف كيف يجعل الناس بحاجته؟ يعرف كيف يبني علاقاته مع المسؤولين، يعرف كيف يظهر نفسه على السوشل ميديا، كما يعرف كيف يكون كالمنشار في جيوب الناس يأكل عالطالعة والنازلة، يعرف كيف يخترع لك مشكلة في عمله وكيف يحلها لك ومن ثم يجعلك تشعر بالسعادة أنك خرجت بأقل الخسائر… والأهم من كل ذلك أنه يعرف مفاتيح هذه البلاد ولديه موهبة الوصول.
لذلك فإنك لا تجده خجلاً من شيء سوى ماضيه قبل أن يكون موظفاً، وتتمنى وأنت تراجع المؤسسة الحكومية التي يعمل بها وترى كل الذل والقهر فيها وتهتري أقدامك وأنت طالع نازل عالدرج وعم تدفع بكل مكتب وما حدا شايلك قيمة.. أن تكون فاسداً محترماً مثله.
اقرأ أيضاً: عيد الصحافة السورية… ممنوعة من الموت والحياة- بلال سليطين
هذه القصة حقيقية وإذا شعرت أنك المقصود بها فأنت المقصود تماماً لكن جرائم المعلوماتية منعتنا من ذكر اسمك وشكراً.