أخر الأخبارالرئيسيةتقارير

تأخر الأمطار يفاقم معاناة الفلاحين.. آفات زراعية وتأخر بزراعة القمح

هل تعوّض الأمطار القادمة بحال أتت قلتها في الموسم الشتوي الحالي؟

فضّلَ “ابراهيم” 45 عاماً مزارع من ريف الحسكة، التريث قبل زراعة موسم القمح الذي عادة ما يبدأ مطلع شهر كانون الثاني، بسبب تراجع الهطولات المطرية إلى درجة غير مسبوقة للعام الثاني على التوالي، ومثل “إبراهيم” معظم الفلاحين السوريين الذين يأملون هطول الأمطار لإسعاف أراضيهم ومحاصيلهم.

سناك سوري – داليا عبد الكريم

يقول “إبراهيم” لـ”سناك سوري”، إن بعض الفلاحين بريف الحسكة غامروا وزرعوا أراضيهم متأملين أن تهطل الأمطار لاحقاً، لكن للأسف لم تتحقق توقعاتهم، وهذا ما أدى لخسارتهم جهدهم والبذار التي لم تعد صالحة لتنبت حتى لو هطلت الأمطار اليوم.

يمكن للفلاحين الاعتماد على الري، لكن هذا يعني ارتفاع أجور مستلزمات التشغيل وبالتالي زيادة الخسائر، حيث يضطرون لشراء المازوت اللازم لتشغيل المحطات بسعر مرتفع.

فلاح سوري يحصد محصول القمح – سناك سوري

وضع كارثي على الزراعة

وصف المهندس الزراعي “ظهير صالح” من مدينة “جبلة”، وضع تأخر الأمطار بالكارثي على الزراعة والأراضي، وقال لـ”سناك سوري”، إن كثر من مزارعي القمح في الداخل السوري لم يتمكنوا من زراعة أرضهم بسبب تأخر الأمطار، مشيراً أن هذه الظاهرة باتت سنوية وتؤدي لإخراج مساحات أراضي شاسعة من الاستخدام الزراعي.

وتحدث “صالح” عن زيادة بظاهرة التملح، والتي تحدث حين تسقى الأراضي بمياه الأنهار لغياب الأمطار، ما يؤدي إلى زيادة التملح في الأراضي البعلية التي عادة ما تغسلها الأمطار.

كثر من مزارعي القمح في الداخل السوري لم يتمكنوا من زراعة أرضهم بسبب تأخر الأمطار، وهذه الظاهرة باتت سنوية وتؤدي لإخراج مساحات أراضي شاسعة من الاستخدام الزراعي. ظهير صالح – مهندس زراعي

بالنسبة للأراضي الزراعية في الساحل السوري، فإن تأخر المطر يؤثر بشكل سلبي على كل الزراعات، على سبيل المثال الأسمدة البطيئة لا تذوب في التربة وبالتالي لا تصل إلى الجذور كما في الحمضيات والزيتون، ذلك لأن تلك الأسمدة تحتاج لمياه الأمطار كي يكتمل ذوبانها البطيء.

ويشهد إنتاج سوريا من القمح تراجعاً مستمراً، ففي عام 2021 وصل الإنتاج إلى مليون و800 ألف طن، انخفض إلى مليون و700 ألف طن عام 2022، وإلى 900 ألف طن عام 2023، و700 ألف طن عام 2024 الفائت، وهذا يعود لعدة أسباب منها تأثير الجفاف وتراجع كميات الأمطار.

تكاثر الحشرات

عامل آخر لا يقل خطورة، هو ارتفاع الحرارة في الشتاء مع غياب أيام الصقيع أو الأيام شديدة البرودة، فهذا وفق المهندس الزراعي، يؤدي إلى تكاثر الحشرات في الشتاء، وتؤدي في الربيع إلى إصابة الأشجار بالأوبئة مثل ذبابة الزيتون، ما يعني خسارة كبيرة في المحصول، كما أن استمرار الحرارة شتاء يؤدي إلى إصابات فطرية.

وخلال موسم الزيتون الفائت، قال رئيس اتحاد الفلاحين بطرطوس فؤاد علوش، إن الإنتاج لن يصل إلى 32 ألف طن، مضيفاً أن السبب هو تعرض الأشجار لارتفاع حرارة وبالتالي مشكلة ذبابة الثمار.

موسم الزيتون السوري
أشجار زيتون – سناك سوري

تأثير على المياه الجوفية

تأخر هطول الأمطار وقلتها خلال الأعوام السابقة نتيجة التغيرات المناخية، انعكس وبالاً على الأراضي الزراعية، والمياه الجوفية التي كان يكفي الحفر للحصول عليها في ريف الساحل بين 10 إلى 20 متراً، بينما اليوم تجف ويحتاج الفلاحون إلى الحفر لأعماق أكبر، وفق “صالح”، مشيراً أن البعض لا يستطيعون اليوم زراعة أراضيهم لا صيفاً ولا ربيعاً نتيجة جفاف المياه السطحية، وهذا يعني خروج أراضي زراعية جديدة من الاستخدام بشكل سنوي.

تركز هطول الأمطار في الربيع بعد انقضاء الشتاء، أمر ليس جيداً بالنسبة لكثير من الزراعات، خصوصاً اللوزيات، التي تبدأ بطرح الأزهار في الربيع، وبحال أمطرت فإن هذا يؤدي إلى ظاهرة الإجهاض، وتعني أن الأشجار أزهرت لكن لم يتواجد طقس مناسب لتثمر، فيخسر الفلاحون مواسمهم، كما قال “صالح” لـ”سناك سوري”.

البعض لا يستطيعون اليوم زراعة أراضيهم لا صيفاً ولا ربيعاً نتيجة جفاف المياه السطحية، وهذا يعني خروج أراضي زراعية جديدة من الاستخدام بشكل سنوي. ظهير صالح – مهندس زراعي

الأمر السابق بحاجة إلى دراسات علمية حقيقية، لتواكب المتغيرات المناخية التي أثرت على كوكب الأرض، ثم اعتماد توصيات زراعية تساعد الفلاحين على التأقلم مع الواقع الحالي بأقل ضرر ممكن، يمكن أن تكون إحدى الحلول تغيير الروزنامة الزراعية، أو حتى التخلّي عن بعض المزروعات لصالح أنواع أخرى.

لا يوجد حلول بالمعنى الحرفي وفق “صالح”، إنما يمكن اتخاذ عدة إجراءات لتخفيف الآثار السلبية، مثل إقامة مشاريع الري سواء القنوات أو الري الحديث، كذلك إشادة السدود وفق دراسات علمية.

وجاء في تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2021. أن “سوريا” تعاني نقصاً في مياه الشرب بنسبة 40% عمّا كان عليه الحال قبل 10 سنوات. إذ لا يعمل سوى 50% من أنظمة المياه والصرف الصحي بشكل صحيح في مختلف أنحاء البلاد.

ارتفاع درجة حرارة البحر

في صيف العام الفائت، قال مدير عام الهئية العامة للثروة السمكية، “علي عثمان” في تصريحات صحفية، إنهم بدأوا دراسة علمية أظهرت المعطيات الأولية فيها، ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للبحر بمعدل 0.5 إلى 1 درجة عن المعدلات المسجلة.

تأثير ارتفاع درجة حرارة المتوسط على المناخ يبدو اليوم واضحاً، حيث يقول أستاذ علم المناج في جامعة اللاذقية (تشرين سابقاً)، “رياض قره فلاح”، إن “سوريا” تعتمد بشكل جزئي على المنخفضات الجوية القادمة من البحر المتوسط، لكن ارتفاع درجة حرارة مياهه، تؤدي غالباً إلى تغيّر مسارات المنخفضات الجوية، ما يسبب تباعدها.

وأضاف “قره فلاح” لـ”سناك سوري”، أن ظاهرة “اللانينيا” التبريدية المستمرة حالياً، تؤثر على أنماط الطقس العالمي، بما في ذلك أمطار سوريا، ويختلف تأثيرها حسب السنة والموقع الجغرافي.

وتشير التوقعات الجوية لشهر كانون الثاني الجاري، إلى تأثر واضح لـ”اللانينيا” على أمطار سوريا، من خلال التأثير على امتداد المرتفع السيبيري المتعاظم خلال فترات الظاهرة، مما يزيد من فترات الجفاف وامتداد المرتفع السيبيري الجاف والبارد نحو المنطقة ووقوفه حاجز صد في وجه المنخفضات المتوسطية مبعداً إياها عن سوريا وفق “قره فلاح”.

“سوريا” تعتمد بشكل جزئي على المنخفضات الجوية القادمة من البحر المتوسط، لكن ارتفاع درجة حرارة مياهه، تؤدي غالباً إلى تغيّر مسارات المنخفضات الجوية، ما يسبب تباعدها. د.رياض قره فلاح – أستاذ علم المناخ بجامعة اللاذقية

واستفاض أستاذ علم المناخ بشرح تأثير “اللانينيا” على أمطار سوريا هذا العام، والتي تؤدي إلى توزيع غير منتظم للأمطار، بمعنى حبس الأمطار ببعض الفترات، ثم تليها أمطار غزيرة على فترات أقصر.

كذلك تؤدي الظاهرة إلى قلة عدد المنخفضات الجوية التي تؤثر عادة على سوريا، نتيجة تغيّر مسارات الرياح والتيارات الهوائية، والأثر الآخر هو زيادة احتمال الجفاف في بعض المناطق، خصوصاً الجنوبية والشرقية، والتي تكون أكثر عرضة للجفاف بسبب تأثيرات اللانينيا التي تؤدي إلى تراجع النشاط المطري هناك.

بالمقابل تؤدي “اللانينيا” إلى زيادة الأمطار الغزيرة في المناطق الشمالية والغربية، مما يزيد من الهطولات المطرية في المناطق الساحلية والشمالية، بما في ذلك اللاذقية وحمص، وأخيراً تؤدي إلى زيادة موجات البرد والصقيع بفترات معينة ما قد يؤثر على الزراعة في مناطق واسعة من سوريا.

ويرى “قره فلاح”، أنه بحال استمر الاستقرار الحالي لفترات طويلة، قد يعوّض لاحقاً بمنخفضات باردة تؤدي لتساقط الأمطار والثلوج خصوصاً في المرتفعات.

حتى مع قدوم منخفض جوي في الأيام القادمة مصحوباً بأمطار، قد لا يكون كافياً لتعويض تراجع الهطولات المطرية هذا الشتاء، وهو ما يرتب على الجهات المعنية تدارك الأمر والعمل بشكل جدي لمساعدة المواسم الزراعية عبر حلول يقدمها أهل الاختصاص.

زر الذهاب إلى الأعلى