الرئيسيةيوميات مواطن

الويك إند الأولى في أوروبا.. كان صباحاً مليئاً بالجوز والبقلة

يوميات سوريَة في أوروبا..

سناك سوري-سناء علي

إنها “الويك الإيند” الأولى، نستيقظ في الصباح الباكر بعدما اتفقنا في المساء على ممارسة الرياضة الصباحية “سبحان مغير الأحوال”.

ننطلق صوب الطريق المرصوفة على جانبيه الأشجار الخضراء، ونبدأ بالركض، الهدوء يعم المكان، والطقس خريفي، مع نسمات مائلة للبرودة المنعشة.

“اتطلعوا الجوز عالأرض” ننظر بدهشة إلى أشجار الجوز المنتشرة على جنبي الطريق وقد تناثرت حبات الجوز على الأرض من حولها، ينشب الخلاف بين أفراد المجموعة بين مؤيد لقطف القليل من ثمار الجوز، و رافض لها من مبدأ “نحنا في أوروبا وهيدا عيب”، فيما تعلل المجموعة المؤيدة لرياضة القطف موقفها بسبب انتشار الأشجار في الطرقات، و سقوط الثمار على الأرض، أي أننا لا نخالف قانوناً، إلا إذا كان هناك قانون ينص على حماية طعام السناجب المنتشرة بكثرة هنا.
نتجنب النقاش، ونضمر نحن المحبون للجوز أن نمارس هوايتنا المفضلة في الأكل من على الشجرة مباشرة وكأننا في إحدى قرى “سوريا” حيث يتمتع أي عابر سبيل بحق اقتطاف بعض الثمار التي خرجت عن سرب صديقاتها ومالت برأسها نحو الطريق، فكنت أول المتعرضين للحجارة، مع سريان عرف ثابت أن يبقى الأمر ضمن إطار ما يسند جوعاً عابراً أو يطفئ شهوة إلى ثمرة يانعة تجذب أعين الناظرين.

نتوقف نحن الوافدون الجدد إلى أوروبا مرات كثيرة خلال فترة الرياضة، حيث مضى وقت طويل على ممارستنا لها، بالرغم من الوعود الكثيرة التي كنا نقطعها على أنفسنا بالذهاب إلى النادي عند مطلع كل صباح وفي كل اجتماع لشلة من الأصدقاء، فيما يهزأ بنا قدامى الطلاب الذين اعتادوا على الركض وممارسة مختلف أنواع الرياضة في هذه المدينة ذات الطبيعة الجميلة والتي تحظى بها الرياضة بأهمية كبيرة، لدرجة أن الجامعة تقفل أبوابها في يوم sport day  المخصص للرياضة.

اقرأ أيضاً: لا اصطفافات سياسية هنا.. حديث الطعام يبتلع حديث السياسة!

وبينما أتوقف عدة مرات لأنال قسطاً من الراحة، لا تتوقف الأسئلة في رأيي عن الركض، لماذا لا نفعل كل الأشياء التي نريدها، لماذا يسيطر التأجيل والتسويف على كل قراراتنا في وطننا، كيف لنا أن نسارع إلى تنفيذ ما نفكر فيه عندما نسافر، هل نفعل ذلك لنثبت لأنفسنا أننا اخترنا الخيار الأفضل بالسفر، أم أنه تعويض عن فقدان الحالة العاطفية التي كنا نحظى بها، من خلال زيادة النشاط الحركي للجسم، أو يتعلق الأمر بإظهار قدرتنا على الاندماج بمجتمع آخر يصنف من الدرجة الأولى، وبالتالي ردم ما نشعر به من فجوة تجاهه، أم أن الركض اليومي الذي يمارسه المواطن السوري، والعربي بشكل عام في مجتمعاتنا الحزينة هو ما يبعده عن الرياضة، حيث يركض وراء السرفيس، يركض عالدور، يركض ليدفع الفواتير، يركض ويركض، ما يجعله في غنى عن ممارسة المزيد من الركض الرياضي.

اقرأ أيضاً: غداً سأسجل في النادي.. تعويذة سحرية لحل جميع المشاكل

نصل إلى نهاية مسار الركض حيث تقع حديقة جميلة تمثل معلماً سياحياً بامتياز وليست فقط مجرد حديقة، فهي تحوي مسبحاً وحماماً للساونا والمياه المعدنية، و حلقة من الأفعوانات لركوب السيارات الصغيرة، فضلاً عن المقاهي، في نموذج رائع لاستثمار الأمكنة الخضراء الجميلة بما يجذب الأنظار، بينما تعاود الأسئلة دورانها في أفعوانة رأسي .. ماذا لو كان هناك ما يشبه هذه البنية التحتية في إحدى قرى ريفنا الساحر ؟؟.

نعود أدراجنا في طريق العودة على نية قطف الجوز، لا تأبه المجموعة القروية برأي المجموعة التي عاشت في المدن، تعرف طريقها إلى الثمار الجيدة و كيفية استثمار الوسائل الممكنة للحصول على أكبر كمية من الجوز، ويزداد هذا الحماس عندما يخبرنا أحد الأصدقاء أن الجوز المفروم يباع في المحلات بسعر ليس رخيصاً، والناس يقبلون على شرائه من تلك المحلات مع أنه ينتشر على قارعة الطريق.

«ما في غير إنهم حريصين على طعام السناجب»، يعلل أحدنا السبب، وهو يكسر مرة من الجوز، «معناها رح يرفعوا علينا دعوى جماعة حقوق الحيوان، إذا شافونا هلق» يرد صديق ثالث، لنغرق جميعاً في نوبة من الضحك الممزوج بالمرارة، فهناك الكثير من المنظمات التي تعنى بحقوق الحيوان في هذا البقعة من العالم، بينما لا يحظى كثير من البشر بشيء من هذا القبيل.

نملأ ما تيسر لنا من ثمار الجوز، متحسرين على المكدوس الذي كان موسمه قد انتهى للتو، والذي بدأت بعض العائلات السورية بالاستعاضة عن حشوه بالجوز لصالح بعض المكسرات الأرخص ثمناً في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار .. « هون الجوز بالأراضي وهونيك مو قادرين نحشي مكدوس بالجوز» تقفز الجملة إلى رأسي، المشكلة أن الباذنجان هنا لا تشبه ثمرة الباذنجان الجميلة التي تحظى بمحبة الكثير من السوريين.. ولا سبيل للمكدوس حتى لو كان الجوز على “مد عينك والنظر”.

نتابع المسير ونحن نستكشف بعض أنواع الشجيرات والنباتات التي تنمو هنا وهناك لتقع أعيننا على مايشبه البقلة،«شو هيدي البقلة؟؟»، يسأل واحد من أفراد الفريق، نشرح له عن البقلة العظيمة، بينما ننحني لنقطف ما يكفي لإعداد طبق من الفتوش السوري العظيم .. ونحن نشعر بالسعادة لما حصلنا عليه في هذه الرياضة الصباحية.

اقرأ أيضاً: الفرز الطائفي يلاحقنا إلى أوروبا.. لا يدركون أننا نتقاسم الموت والحب في “سوريا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى