الهجرة لاتبشر بالخير.. كُثر يتركون هذه البلاد ويهربون
الجميع يحتاج اليوم للحماية من الجوع والفوضى
سناك سوري – شعيب أحمد
اليوم كنت في مدينة “نوى” غرب درعا، (ربما أكبر تجمع ريفي في العالم)، وجهتي كانت صوب “مكتبة البلد” التي قصدتها لشراء بعض القرطاسية، فهي أكبر مكتبة للقرطاسية ومستلزمات التعليم في المدينة، كانت الساعة قرابة العاشرة صباحاً، في العادة تفتتح المكتبة أبوابها في وقت باكر، حين طال انتظاري سألت صاحب محل مجاور (هل سيتأخر صاحبها أكثر من ذلك؟)، فقال بضجر (لا تنتظر لن يفتح بعد اليوم).
السبب كان بسيطاً، و هو أن صاحبها مثل الملايين قد أصابته حمّى الهجرة مرغماً، وذلك بعد أن وصلت صاحب المكتبة رسائل التهديد المتكررة باستهدافه واستهداف عائلته، في حال لم يقم بدفع مبالغ مالية ضخمة لإحدى عصابات الخطف والابتزاز في المدينة لهذا كان مرغماً للهجرة لحماية عائلته.
اقرأ أيضاً: سوريا… سطو مسلح على تاجر ذهب
ثم ذكر لي ذاك الجار البسيط أسماء العديد من تجار المدينة الذين تركوا مدينتهم، آخرهم أحد تجار الذهب الذي تعرض أيضاً للسرقة قبل عدة أيام، حين قام مجهولون بخطفه وسرقة عدة كيلوات ذهب وأكثر من مئة ألف دولار منه، فباع مابقي معه وهاجر هو الآخر.
ما الذي يحدث؟ كُثر يتركون هذه البلاد ويهربون، إما بسبب الإفلاس وإما بحثاً عن الأمان، وعدد كبير يهربون لأنهم أفلسوا ولم يعد بمقدور أحدهم مواصلة عمله البائس خوفاً على روحه.
الجميع يحتاج للحماية اليوم، الحماية من الجوع والحماية من الفوضى، ومع ذلك وفي المقابل جميع الحلول المطروحة كلها اليوم من قبل صانعي القرار تتمحور حول منع منح جوازات سفر للسوريين، أي حبسهم في هذا السجن الكبير مع استمرار الجوع وانعدام الأمن، لا حل آخر غير ذلك، وكأنهم يقولون للبائسين في هذه البلاد لا قدرة لنا على تحسين الاقتصاد وبسط الأمن وحمايتكم.
اليوم أينما تذهب وفي كل مكان تجلس فيه الكل يحدثك عن الهجرة وكأنها خيار حتمي وفرض صلاة يومي، حرفياً لو نظرنا حولنا لدقائق لقلنا أن البلاد باتت تفرغ كلياً، من الشباب ومن المثقفين ومن التجار ومن رؤوس الأموال، كل من بقي هم من العجزة، حتى العجزة باعوا منازلهم وهاجروا، إذ تكفي نظرة بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي تخبرنا حجم الكارثة وأن الأمور لا تبشر بخير.
اقرأ أيضاً: تحذيرات من فقدان أطباء التخدير.. شموط: ونضطر لاستيرادهم برواتب بالعملة الصعبة