النساء في السياسة لسن دائما ضحايا
وصول المرأة للمشاركة في الحياة السياسية طويل ويحتاج 365 يوماً وليس 16 يوماً فقط
لن أعود إلى التاريخ لاستحضار أسماء نساء شاركن في القرار السياسي، والحكم في بلادنا قديماً، لكن يمكن السؤال كيف نجحت النساء سابقا، وفشلنا نحن اليوم، رغم تعليمنا ومعرفتنا العميقة بدستور البلاد وقوانينها، وشريعة حقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء.
سناك سوري – لينا ديوب
يدفعني لهذا السؤال ماشهدناه مع انتهاء متابعة ما تسمى احتفالية الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء يوم الجمعة الفائت، التي تزامنت نهايتها مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث تم عقد مؤتمر في “بروكسل” تحت عنوان مؤتمر المجتمع المدني السوري لحقوق المرأة /مناهضة العنف ضد النساء والفتيات باعتباره عائقاً أساسياً أمام مشاركة المرأة في صنع القرار وبناء السلام/، بمشاركة ناشطات نسويات سوريات مقيمات في الخارج، دون دعوة أية محامية أو إعلامية أو غيرهن من الناشطات والمقيمات بالداخل.
وهذا يدفعنا لوضع علامات استفهام على هذا السلوك الإقصائي، في احتفالية مخصصة للحديث ومناقشة الكثير الكثير من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه النساء للوصول إلى حياة أكثر عدلاً وأماناً، والحديث أيضاً عن العنف السياسي، الذي يمنع نساء كثيرات من الوصول إلى الإدارة ومواقع صنع القرار ومجالس المدن ومجلس الشعب، أليس سلوك تلك النسوة يتقاطع مع سياسات من يناضلن ضد سياساته في الحكومة؟!، أي أن التمييز الذي تواجهه النساء في السياسات الحكومية تواجهه أيضاً في نشاط المجتمع المدني، والتمييز الذي يتعرضن له ويمنع وصولهن للمشاركة ممتد إلى عمل بعض النسويات.
التراجع بالأرقام
في الدورة التشريعية الأخيرة جرت انتخابات لاختيار 250 عضواً للدورة الجديدة لمجلس الشعب، وكان من نتائجها وصول ثمانية وعشرين امرأة لمقاعد البرلمان، أي أن النسبة تبلغ11،2، مع الإشارة إلى أن عدد أعضاء مجلس الشعب من النساء في الدورة الماضية بلغ 32 امرأة أي ما نسبته 12،8 نساء الى عدد الرجال.
قبلها في انتخابات الإدارة المحلية لم يكن الحال أفضل، كذلك الأمر في الانتخابات النقابية، في الوقت الذي يزداد فيه عدد اللواتي يحملن الشهادات الجامعية العالية ويحققن نجاحاً في أماكن عملهن، بفضل التعليم الذي تنفق عليه الدولة، دون مناقشة واقع التعليم هنا، يبدو مستغرباً ومثيراً للتساؤل عدم دعم الدولة وصول تلك الكفاءات النسائية إلى الإدارة واتخاذ القرار.
اقرأ أيضاً: المرأة صاحبة المهمة الكبرى بحماية نفسها
إعادة إنتاج القيم الذكورية في السياسة
تتباهى التقارير الحكومية بأن “سوريا” أول دولة عربية تمنح حق التصويت للمرأة عام 1949، وقبل دول أوروبية تتمتع فيها المرأة بحقوق كاملة، لكن ماذا تقول عن النسب المتدنية للمشاركة ليس في مجلس الشعب والإدارة المحلية فقط، بل في القيادة المركزية لحزب البعث الحاكم، هناك امرأة واحدة، وفي الحكومة ثلاث وزيرات من بين 31 وزيراً، بنسبة تمثيل نحو 9%. حتى في اجتماعات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة، كانت نسبة تمثيل المرأة متدنية جداً، ففي شباط 2020، مثّل الحكومة أربع نساء من بين 15 عضواً، أما المعارضة فمثلتها امرأتان من بين 15 عضوًا.
إن القيم الأبوية الذكورية لم تزل تنتشر في المجتمع، ويتم إعادة إنتاجها في هياكل الدولة ومؤسساتها وفعالياتها ولا سيما في السياسية، فلا نجد وزيرة للخارجية ولا للمالية ولا للدفاع، فذكورية السياسة هي قضية تم ترسيخها تاريخياً من خلال الترويج لفكرة الدور الإنتاجي للرجل وربط العقلانية بالذكورية، ولفكرة الدور الإنجابي للنساء الذي تحكمه العاطفة والأمومة والطاعة للرجال، فكيف تقوم نسويات في المجتمع المدني بسلوك الاقصاء لغيرها من النسويات.
ان استبعاد النساء من الحياة العامة ما هو إلا نتاج لهذا النظام الأبوي، وبالتالي أصبح احتكار السلطة والسيطرة وممارسة العنف أمراً مشروعا للرجال، يدعمه ضعف الموقف الاقتصادي للنساء، لهذا لم نزل نرى قلة في عدد المرشحات وقلة في عدد الواصلات.
كل ما تقدم يقودنا إلى أن الطريق أمام العدالة في الوصول الى المشاركة في الإدارة والمواقع السياسية والتمثيلية للنساء مازال طويلاً، ويحتاج 365 يوماً في السنة وليس 16يوماً، كما يحتاج مناضلات يتحررن من ذكورية السياسة وذكورية المجتمع، والالتصاق أكثر فأكثر بقضية المرأة والعمل لإلغاء التمييز وتحقيق الإنصاف والعدالة.
اقرأ أيضاً: احتفالية مناهضة العنف ضد المرأة.. نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً!