أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليلسناك ساخن

المشكلة مع السلطة ولا مع سوريا؟

أزمة سوريا وأزماتها... "نحن وهم"

انتقلت سوريا منذ فترة طويلة من حالة “الأزمة” إلى حالة الأزمات، ونَقَلَنا بعض السوريين من تحليل المشكلة مع السلطة إلى تحليل مشكلتهم مع سوريا أو مع من قرروا البقاء فيها.

سناك سوري – بلال سليطين

تقف ممثلة سوريّة في ساحة إحدى الدول الأوروبية وتشتم البلد الذي تنحدر منه بعبارات قاسية وتنشر هذا المحتوى على تيكتوك.

ويبدو هذا المحتوى طبيعي واعتيادي عند الكثيرين في الخارج ممن طبَّعوا مع مفهوم “المشكلة مع البلد من أساسه”.   وبتقديري أن الانتشار الذي يحققه مثلاً فيديو مثل “لا ترجع”، والذي ينتشر كثيراً على “تيكتوك” حيث ينشط عشرات آلاف السوريين المغتربين. إنما هو عبارة عن أزمة من أزمات كثيرة تمر فيها سوريا، ويمكن إطلاق الكثير من المصطلحات عليها “العداء مع البلد. الانتقام من البلد. المشكلة مع البلد”.

عندما يتفوق فلان بالجامعة يقولون علناً من أصول سورية. وعندما يرتكب جريمة يقولون من أصول سورية. وعندما يصبح وزيراً يقولون من أصول سورية أو أي أصول أخرى.

سيقول أحدكم “ليش يلي جوا ماعم يسبوا يعني”. بالحقيقة إن المقارنة من وجهة نظري الشخصية غير جائزة. فمن هم بالداخل يعيشون أقسى الظروف وأصعبها وربما يقف أب أمام باب صيدلية لا يملك ثمن دواء لابنه فيشتم. أو تعجز أم عن شراء علبة حليب لطفلها فتشتم. لكن من هم في الخارج تجاوزوا هذه المرحلة وانتقلوا إلى ما ترى فيه الفنانة المشار لها أعلاه ومئات آلاف غيرها “النعيم”. وبالتالي ينتظر من هؤلاء أن يشفقوا على البلد وليس أن ينتقموا منها.

وإذا كانت مشكلة البعض مع وجود الكثير من الخلل والمشكلات في سوريا وأنها فعلياً ليست “أجمل وأحسن بلد بالعالم“. فهذا لا يعني أن وجودهم خارجها ينزع عنهم أصولهم حتى ولو حملوا أي جنسية كانت. وهذا لا يكون بقصد الإساءة لهم بل لأن المجتمعات الغربية غالباً ما تكون متصالحة مع فكرة الأصول.

bab alhara abo alnar
المشكلة مع السلطة ولا مع سوريا- صورة تعبيرية من مسلسل باب الحارة

وعلى سبيل المثال عندما يتفوق فلان بالجامعة يقولون علناً من أصول سورية، وعندما يرتكب جريمة يقولون من أصول سورية. كذلك الأمر عندما يصبح وزيراً يقولون من أصول سوريَّة أو أي أصول أخرى.

حتى الجيل الثالث والرابع من المهاجرين تُذكر أصولهم في هكذا مناسبات، ما يعني أن سوريا ستبقى ملاصقة لك. والإساءة لها لا تفيدك نهائياً، بل على العكس تنتقص من قيمتك أمام المجتمعات التي تعيش فيها، والتي مهما اختلفت مع بلدانها فإنها لا تسيء لها، وإن كانت أحياناً لا تنتمي لها أساسا. وبالمناسبة القول إن هذا البلد لا يوفر حياة كريمة لمواطنيه أو أن فيه كذا وكذا من المشكلات (حريات، حقوق، تطرف، عنف..إلخ) لا يعتبر إساءة.

بعض المتظاهرين في هتافاتهم وظهورهم على السوشيل ميديا كانوا يصنفون السوريين الذين قرروا البقاء بالداخل “أنهم شبيحة”.

المشلكة مع من بقي في البلد!؟

هناك أزمة أخرى من عديد الأزمات التي لا نتجاهلها ولكن لا يمكن ذكرها كلها في مقال واحد أيضاً. وهي أزمة العداء مع من بقي في البلد وتنميطهم وتصنيفهم كلهم في خانة واحدة.

في 2 أيلول 2024 شهدت مدينة “أوتريخت” في هولندا مظاهرة لسوريين يرفضون قرارات الترحيل إلى سوريا بصفتها غير آمنة. وهي فعلياً غير آمنة لمن هم مطلوبون للسلطات في مختلف مناطق سوريا. وهي غير آمنة غذائياً، واقتصادياً، وهناك مشكلة الأمان الاجتماعي..إلخ.

مظاهرة أوتريخت

لكن المشكلة أن بعض المتظاهرين في هتافاتهم وظهورهم على السوشيل ميديا كانوا يصنفون السوريين الذين قرروا البقاء بالداخل “أنهم شبيحة”. ويقولون مثلاً “سوريا آمنة للشبيحة ومو آمنة إلنا”.

وهذا جزء من خطاب يضع السوريين في الداخل بإطار واحد. وعلى سبيل المثال كثيراً ما نقرأ تعليقات الشماتة بالظروف المعيشية والاقتصادية للذين قرروا البقاء في سوريا. وذلك عبر تيكتوك وتويتر بالدرجة الأول وبدرجة ثانية فيسبوك.

فنجد كل يوم مئات التعليقات (من أصل آلاف أخرى معظمها متضامن. يعني أكيد مو الكل) على معاناة السوريين بالداخل والتي مفترض أن تكون تضامنية لكنها تكوّن عبارة:«مو هنن اختاروا يبقوا عند النظام هي جزاتهم».

وهذا التصنيف النمطي المليء بالكراهية لا ينسجم نهائياً مع مفاهيم الحرية ولا مع قيم البلدان التي يقيم بها أصحاب التعليقات حالياً وتحتضنهم. ولا يتفهم ظروف الناس، كما أنه لا يختلف نهائياً عن الشماتة بمقتل طفل جراء سقوط قذيفة أو صاروخ.

لا يختار كل الناس نفس الخيارات وليس لكل الناس ذات الاهتمامات أيضاً. وهناك من غادر سوريا وهو لا يرغب بمغاردتها وإنما أجبرته الظروف. وهناك من بقي فيها وهو يرغب بمغادرتها ولم تساعده الظروف. وهناك من ليس بين هذا ولا ذاك وجميعهم أحرار بالمحصلة لا يحق لأحد التدخل بهم.

لكن المفاهيم الأخلاقية والإنسانية ترفض عقابهم على خياراتهم. وعلى سبيل المثال لنفرض أن اليمين المتطرف فاز بانتخابات معظم المقاطعات الألمانية والبرلمان. وخسر في مقاطعتين فقط لصالح اليسار (فرضية). ومن بعدها شكل اليمين الحكومة المركزية وأصبح صاحب السلطة التنفيذية الكاملة (فرضاً) هل يعاقب أهالي المقاطعتين اللتين لم يفز بهما ويقبل بحرمانهم من الخدمات مثلاً؟!. بالتأكيد لا وعلى العكس تماماً سيهتم بهم ويؤدي كافة التزاماته تجاههم فهذا هو الفرق بين الخلاف السياسي والكراهية.

أصحاب الخطاب الطائفي والتخويني والتحريض على الكراهية صوتهم عالٍ جداً وينتشر بسرعة في مختلف المجتمعات.

خطاب الكراهية والطائفية مرتفع

أصحاب الخطاب الطائفي والتخويني والتحريض على الكراهية والمتنمرين صوتهم مرتفع جداً وينتشر بسرعة على السوشيل ميديا. ورغم أنهم قلة في حالتنا السورية إلا أنهم ينقضون بشكل جماعي على “الهدف” حتى يخيفونه فينكفئ غالباً.

وهذا ما حدث بالمناسبة مع عشرات النخب السورية وأدى إلى صمت المئات وابتعادهم خلال 13 عاماً وهذا نقاش آخر لن نخوض به الآن.

لكن هؤلاء المحرضين إذا ناقشتهم وأحرجتهم غالباً يضعون الاختلاف السياسي في الواجهة ويقولون لك إنها مشكلة سياسية. بشكل أو بآخر لدى بعضهم الحق فعدم وجود حياة سياسية في سوريا خلال عقود طويلة أدلى لتدمير ثقافة العمل السياسي والاختلاف. فتحول الاختلاف إلى عداوة وتطورت هذه العداوة إلى فعل جرمي في كثير من المواقف على مدى 13 عاماً.

إلا أن هذا التبرير لم يعد منطقياً مع سوريين يعيشون في دول أصلاً لديها حياة سياسية متقدمة ومتطورة جداً. وتتيح لهم ممارسة حرياتهم ونشاطاتهم السياسية وإظهار مواقفهم بكل حرية. ويتنافس بهذه الدول أطراف سياسيون ويختلفون في السياسة ويخسرون أو يربحون بالانتخابات. لكنهم في نهاية الأمر يرفعون من شأن وقيمة الاخلاف ويبقونه في إطار العمل السياسي سواء كانوا قيادات حزبية أو ناخبين. وإذا أخطأ سياسي ما وقام بتنميط مجتمع معين أو خصوم وبث خطاب كراهية من نوع ما فإن هذا الخطأ غالباً ما يؤدي إلى نهاية حياته السياسية.

إن هذا الخطاب ولو كان أصحابه قلة، لكن آثاره كبيرة جداً ومحمّلة بالكراهية والطائفية والطبقية أيضاً. وهو يحفِر عميقاً بالنفوس، ويصعب كثيراً إزالة آثاره حاله حال كل خطابات الكراهية الأخرى التي عرفتها البلاد بمراحل متعددة وأشكال مختلفة. وكل لحظة تمر علينا في سوريا وفق منهجية “نحن وهم” تزيد من أزمات البلاد وابتعادها عن مرحلة “النحن فقط”، فالجميع بالمحصلة سوريون. وعند الوقفة الجماعية على آثار الصراع في نهايته لن تكون خسائر هذا الطرف وذاك بل ستكون “خسائر سوريا”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى