المراكب.. يأس من الحياة لدرجة تعريضها للموت – ناجي سعيد
المغامرة القاتلة.. ما ذنب الأطفال والعائلة؟
لم أتفاجأ بخبر المركب الذي غرق قبالة سواحل طرطوس، بل حزنت كثيرًا على الضحايا الذين بلغ عددهم حتى اللحظة 98 ضحية. وحزني ليس مجرّد تعاطف مع ضحايا بريئة، بل مع مواطنين لم يقتلهم اليأس. فحاولوا البحث عن سُبُل للعيش بديلة عن العوز والفقر وتقصير دولتهم في منح الحقوق لكلّ مواطن.. ولكنّ، مشكلتهم بأنهم سلكوا طُرُقًا غير شرعية، وأضف إلى أنّها محفوفة بالخطر! ومن الذي يعرّض نفسه للخطر؟.
سناك سوري-ناجي سعيد
الأشخاص الذين يُعانون من أوضاع معيشية واقتصادية سيئة، وجرفتهم الالتزامات القاسية والديون إلى دوامة التفكير في الانتحار للهروب من تلك المسؤوليات. كذلك الأشخاص الذين ُيسهم ارتفاع معدلات البطالة في رغبتهم بالتفكير في الانتحار للتخلص من الضغوط الحياتية الصعبة التي يعيشونها.
إذًا فالتناقض يكمن في أمرين: الأمل في بحثهم عن البديل لحياتهم المليئة بالخيبات والفشل، واليأس في تعريض نفسهم للخطر. حتّى الموت!، وقد تكون صفة المغامرة صفة إيجابيّة هدفها سامي، كاستكشاف شيء ما لفائدة البشريّة. فالنبي الأكرم، بدأ دروسه لتعليم الإسلام في بيت الأرقم ابن أبي الأرقم، لثلاث سنوات في السر. وهي مغامرة شديدة، حتى لو كانت محسوبة، وحتى لو كانت في السر، لأنه لو عَلِمت قريش بذلك، لقتلت كل من يحضر هذه الدروس.
اقرأ أيضاً: مدير الموانئ: بلدنا بلد خير ولستم مضطرين للسفر
فروح المغامرة هي التي حلّقت بالإنسان إلى الفضاء، وغاصت به إلى أعماق المحيطات، هي التي أخرجته من الكهوف والمغارات إلى المزارع والقرى والتجمعات. ولولا حُبّ المغامرة لبقيت أجزاء مهمة من الكرة الأرضية دون اكتشاف.
وربطًا بفكرة المركب “الغارق”، فمن المؤكّد أن الركّاب يحملون روح المغامرة هذه، ولكنّ ينقصهم الحرص. ففي ثقافة الإسلام كان الحرص هو المؤشّر الذي حافظ عليه حاملو الرسالة في عهد الرسول. للحفاظ على هذه الأمانة. ولو فصّلنا أكثر لأيقنّا أن الهجرة ما كانت إلاّ هربًا من خطر الإبادة التي كانت تنويها “قريش” على الإسلام.
ولم يكن جامع الناس (من جنسيّات مختلفة) إلاّ القهر والفقر والعوز، ومن المؤكّد بأن بعضهم قد استدان ثمن الهجرة. لصالح المغامر “الأرعن” الطمّاع، الذي فكّر بملء جيوبه على حساب أرواح أبرياء يائسين.
كثيرون من وطننا العربي، هاجروا، بعد أن باعوا ممتلكاتهم، ولكنّهم لم يخسروا إلاّ وطنهم الذي أهمل مواطنيه، فباعوه.
ولا بد من ذكر أنّ الانتماء، هو حالة شعور الإنسان والشخص للانضمام إلى مجموعة، وهو عبارة عن علاقةٍ شخصيةٍ حسيةٍ ايجابية. يبنيها الفرد مع أشخاصٍ آخرين أو مجموعةٍ ما، أما مفهوم الانتماء إلى الوطن فيعني تلك الحالة والشعور بالانضمام إلى الوطن. وتكوين علاقةٍ ايجابيةٍ مع الوطن، وتكوين علاقةٍ قويةٍ تربطنا بالوطن، والوصول إلى أعلى درجات الإخلاص للوطن.
ولكن هل نجد أحدًا يخلص لطرفٍ ما –وطنًا كان أمّ فردًا- حتّى لو تخلّى عنه هذا الطرف؟ الجواب نعم، إذا ما كان هذا المُخلص مواطنًا قد لبّى حاجاته الأساسيّة. من عمل ومسكن ومأكل وملبس! وقد نبّأ بهذه المغامرة العشوائيّة العالم إبراهام ماسلو بهرم الحاجات الذي يجلس على قاعدة حاجات فيزيولوجيّة. وينتهي بقمّة “تحقيق الذات”! ولا يعقُل أن يقصد ماسلو تحقيقها بالمغامرة القاتلة.. وحتّى لو وافقنا على ذلك الإنتحار، فما ذنب عائلة المغامر الذي لم يأبه لموت أطفاله.
اقرأ أيضاً: مركب الموت.. أهالي يعلنون الحداد وصفحة المحافظة تعلن التحضير لدروب تشرين