المجتمع المدني.. نقطة مواجهة
المجتمع المدني شخصية اعتبارية متميزة تحاول صياغة المصالح ضمن تعبير مدني وليس خدمة المصالح القائمة
سناك سوري – مازن بلال
ظهر المجتمع المدني في “جلسة الأربعاء” التي تقيمها “حركة البناء الوطني” ضمن تصورات للتوازن، فالتفسير المحايد لهذا المفهوم ربما يعاكس تاريخه القريب الذي سجله “أنطونيو غرامشي” من زنزانته في إيطاليا، وهذا التحديد المطلق للمجتمع المدني عبر تنظيرات “غرامشي” لا تعني أي قيوداً على المفهوم وتطوره، لكننا عندما نريد استخدامه فعلينا بالدرجة الأولى تحديد القاعدة التي ظهر عليها والمستندة أساسا لوجود طرفين: الدولة بمؤسساتها والمجتمع المدني بكافة آلياته وعلاقاته.
ينقلنا تحديد الطرفين لفهم الكثير من الحالات التي تتم مناقشتها أو ممارستها على مستوى المجتمع المدني، ويوضح أيضا طبيعة العلاقة التي حكمت المجتمع المدني في سورية منذ نشوء الدولة وحتى اليوم، وربما يطرح التنظير عدد من الصعوبات لأن الدولة في سورية لم تظهر كمؤسسات وفق سلسلة تطور تاريخي، إنما تأسست وفق صياغة دولية لتنظيم الشرق الأوسط بعد انهيار السلطنة العثمانية، ومن المفيد هنا التأكيد على أمرين:
– الأول أن المجتمع المدني كمصطلح لا يمكننا تحديده إلا من خلال العلاقة مع مؤسسات الدولة الحديثة التي تمثل مصلحة نخبة سياسية حسب تعبير “غرامشي”، فالتنظيمات الحرفية التي كانت منتشرة في سوريا أو غيرها من التشكيلات لا تصح عند قراءة المجتمع المدني.
– الثانية إن الصراع مع الدولة هو الأساس في المصطلح، وهو لم يكن فقط ضد الهيمنة بل أيضا ضد المركزية الشديدة، وهو ما جعل تنظيرات “غرامشي” الذي سجن لأنه “ماركسي” تصطدم مع الشمولية التي نشأت عليها الدول الماركسية.
اقرأ أيضاً بوابات تنموية للأزمة _ مازن بلال
اللافت في البحث عن المجتمع المدني في سورية هو التحديدات الكثيرة التي تحاول تأسيسه من جديد، وإضفاء سمات تضعها المنظمات غير الحكومية والدولية منها بالدرجة الأولى على هيكلية هذا “المجتمع”، فالتبني الليبرالي للمفهوم لم يكن عبثيا بل ضرورة لكسر احتمالات تحول الأشكال الديمقراطية لحالة مركزية جديدة كما في ألمانيا النازية، وفي المقابل فإن المجتمع المدني ينسجم إجمالا مع مفهوم “النظام التلقائي”، حيث تجنح الحريات الاقتصادية أساسا إلى بناء نظامها بشكل تلقائي دون الجنوح إلى الفوضى.
بالتأكيد فإن الجانب الخاص للمجتمع المدني المرتبط بالحد من مركزية الدولة هو ليبرالي بامتياز، لكنه أيضا يواجه نفس الاحتمال الذي بنى “غرامشي” على أساسه هذا المصطلح، أي من المفترض أن يكون المجتمع المدني في مواجهة أي فئة تحاول الهيمنة بالعموم ومن خلال مؤسسات الدولة، وهو ما يفسر عمليا طبيعة الصراع الدائم السلمي بالدرجة الأولى مع مؤسسات الدولة في كافة أرجاء العالم.
إذا أردنا تأسيس العمل المدني من جديد فربما نحتاج إلى التعبير عنه في آليات محددة، وليس بهوية أفراده وبهذا المعنى فالمؤسسات المختلفة خارج الدولة، وليس خارج الحكومة، تعبر أنه ابتداء من الأحزاب ووصولا إلى لجان الأحياء وكل الأشكال التي تحاول التعامل “بدون مركزية” مع المصالح الاجتماعية.
مشكلة المجتمع المدني السوري هو في كونه جهودا تريد أن تكون “محايدة”، وتحاول خدمة المصالح بدل أن تكون المصالح هي جوهر آلياتها، فملاحظة المجتمع المدني لا يمكن أن تتم عبر نشاطه العام بل من خلال طريقة صياغته لعلاقاته مع الدولة لأنه في النهاية شخصية اعتبارية متميزة تحاول صياغة المصالح ضمن تعبير مدني وليس خدمة المصالح القائمة التي تعمل الدولة بشكل روتيني على تحقيقها.
اقرأ أيضاً مساحة المجتمع المدني الغامضة