تغيّرات واسعة في العام 2019 هل يحمل 2020 الأمل؟
سناك سوري _ محمد العمر
تغيّر المشهد السوري سياسياً وميدانياً خلال العام 2019 بشكل لافت وعلى عدة مستويات تراوحت بين تعقيدات ميدانية وانفراج نسبي في المسار السياسي قبل العودة للانسداد.
في السياسة شهد العام 2019 تحولاً نوعياً هاماً في الملف السوري تجسّد بالاتفاق على تشكيل “اللجنة الدستورية” وإعلان قوائمها النهائية بعد قرابة 18 شهراً من إعلان بدء العمل عليها، وذلك وسط زحمة مؤتمرات وتوازنات إقليمية ودولية لعبت الدور الأبرز في التعطيل ثم التأليف.
اللجنة الدستورية بين “أستانا” و “جنيف”
عبر “اللجنة الدستورية” ظهر الدور البارز والفاعل لمسار “أستانا” الذي يضم “روسيا” و “إيران” و “تركيا” باعتباره أكثر تأثيراً وحضوراً في الملف السوري، وبينما دخلنا العام 2019 على وقع اتفاق “سوتشي” حول وقف إطلاق النار في “إدلب” بين الرئيسين الروسي “فلاديمير بوتين” و التركي “رجب طيب أردوغان” فإننا نخرج من العام الحالي على وقع النسخة الجديدة من “سوتشي” لكن حول شرق الفرات هذه المرة.
استطاعت دول “أستانا” تجنيب أو تأجيل العملية العسكرية في “إدلب” في أيلول الماضي وفقاً لـ”سوتشي” إلا أن “أنقرة” بحسب الجانب الروسي لم تلتزم بإكمال تعهداتها في الاتفاق وإنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل بين قوات الجيش السوري ومسلحي “النصرة” وحلفائها، كما أنها عجزت كما كان متوقعاً عن تحقيق عملية الفصل بين “جبهة النصرة” وبين باقي الفصائل المسلحة.
أما الإنجاز الأبرز لمسار “أستانا” فهو إنجاح انطلاقة “اللجنة الدستورية” بعد عملية معقدة وطويلة من التجاذب لإكمال قوائم المشاركين خاصة في قائمة “المجتمع المدني” المفترض لها أن تكون محايدة عن وفود الحكومة والمعارضة والتي كلّفت الفترة الأطول للاتفاق عليها.
وبعيد انعقاد “أستانا 14” في “نور سلطان” الكازاخية انطلق أول اجتماع للجنة الدستورية، والتي أسندت إلى “جنيف” مهمة استضافتها برعاية “الأمم المتحدة” على الرغم من ابتعاد مسار التسوية السياسية عن مسار “جنيف” وعمليتها التفاوضية التي لم تثمر عن نتائج ملموسة.
إلا أن الأجواء الإيجابية المحمّلة بالتفاؤل مع انقضاء الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الدستورية الموسّعة والمصغّرة يوم 30 تشرين الأول الماضي، سرعان ما تبدّدت مع انطلاق الجولة الثانية يوم 25 تشرين الثاني حيث انقضت الأيام الخمسة للجولة الثانية دون أن تجتمع الوفود المشاركة مع بعضها بسبب الخلاف على جدول الأعمال والذي أظهر مدى صعوبة العملية التفاوضية وأثر الضغوط الخارجية على مسيرة اللجنة التي يبقى الباب مفتوحاً أمامها مطلع العام القادم لتحلّ الخلاف وتعاود الالتئام أو لتنسف من أساسها، أو لتبقى معلقة بتوافقات الدول الخارجية.
اقرأ أيضاً:تعثر اللجنة الدستورية أكبر من خلاف على أجندة اجتماع- بلال سليطين
هزيمة “داعش” ونهاية “البغدادي”
ميدانياً فإن أبرز تحولين في واقع الأرض السورية توزّعا بين شرق الفرات و “إدلب” إضافة إلى أن العام 2019 شهد أيضاً الإعلان عن هزيمة تنظيم “داعش”، حيث أصدرت قيادة “قسد” في أواخر آذار 2019 بياناً أعلنت فيه هزيمة التنظيم في آخر معاقله في مخيم “الباغوز” بريف “دير الزور” بعد معارك عنيفة شاركت خلالها طائرات التحالف الدولي الذي تقوده “الولايات المتحدة” وتسببت بخسائر في صفوف المدنيين بذريعة قتال التنظيم.
في حين أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في تشرين الأول 2019 أن القوات الأمريكية نفذت علمية إنزال في محافظة “إدلب” تمكنت خلالها من استهداف زعيم “داعش” “أبي بكر البغدادي” ومحاصرته في أحد الأنفاق تحت الأرض حيث قام بتفجير نفسه بحزام ناسف وفق الرواية الأمريكية، في حين اعترف “داعش” بعد بضعة أسابيع بمقتل “البغدادي” و أعلن تسمية “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” زعيماً للتنظيم خلفاً له.
العدوان التركي
أما العدوان التركي على مناطق الشمال الشرقي فقد جاء بعد سلسلة من التهديدات والوعيد التركي باجتياح مناطق شرق الفرات، تحت ذريعة حماية الحدود التركية تارة وإنشاء منطقة آمنة تارة أخرى، بدأ العدوان التركي يوم 9 تشرين الأول.
وبينما كانت القوات الأمريكية هي العائق الوحيد أمام التوغل التركي فإن الإدارة الأمريكية قررت سحب جميع جنودها من مناطق الشمال السوري والاكتفاء بنشرهم حول حقول النفط شرقاً لأخذ “حصة” من النفط كما عبّر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.
في المقابل ساهم بدء العدوان التركي بالتوصل إلى اتفاق بين “قسد” والحكومة السورية يقضي بدخول الجيش السوري إلى المناطق الحدودية مع “تركيا” لسحب الذريعة من قوات العدوان التركي التي تتهم “وحدات حماية الشعب الكردية” بأنها تشكل خطراً على الأمن القومي التركي.
من جهتها وجدت “روسيا” لنفسها موطئ قدمٍ في الشمال الشرقي بعد العدوان التركي والانسحاب الأمريكي، وعلى غرار نسخة “سوتشي” حول “إدلب” في أيلول 2018، توصّل الرئيسان “بوتين” و “أردوغان” إلى “سوتشي” جديد حول شرق الفرات يوم 22 تشرين الأول 2019.
حيث قضى الاتفاق بوقف إطلاق النار في الشمال الشرقي بعد أن سيطرت قوات العدوان التركي على عدة مناطق أبرزها “تل أبيض” و “رأس العين”، على أن تضمن “روسيا” بالمقابل انسحاب “وحدات حماية الشعب الكردية” ليحلّ محلّها الجيش السوري، وتقوم القوات الروسية والتركية بتسيير دوريات مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
ورغم أن قوات العدوان التركي لم تلتزم بوقف إطلاق النار واستمرت باستهداف مناطق الجزيرة السورية بشكل شبه يومي وفق بيانات “قسد”، إلا أن الاتفاق لعب دوراً في الحد من التوغل التركي في المنطقة، في حين تسبب العدوان التركي بتهجير نحو 300 ألف مدني من مناطقهم شرق الفرات وإعلان تركي على لسان “أردوغان” أن “أنقرة” تستعد لتوطين مليون لاجئ سوري في مناطق سيطرتها في الشمال الشرقي.
اقرأ أيضاً:هل يصلح “أستانا 14” ما أفسدته “جنيف”؟
“إدلب” التهدئة و المعارك
أما إلى الغرب في “إدلب” فقد شهدت الأشهر الأولى من العام 2019 هدوءً نسبياً والتزاماً إلى حد ما بنظام خفض التصعيد المنصوص عليه في “سوتشي”، إلا أن خروقات “جبهة النصرة” المتكررة واستهداف المدنيين سواءً في ريف “حماة” الشمالي أو في “حلب” أعاد الحديث عن عملية عسكرية من جديد خاصة بعد الهجوم العنيف الذي شنه مسلحو “النصرة” والفصائل التكفيرية المتحالفة معها يوم 27 نيسان الماضي على “حلب” بالتزامن مع انعقاد مؤتمر “أستانا 12” والذي نصّ بيانه الختامي على تسيير دوريات روسية تركية مشتركة لمراقبة خفض التصعيد.
الجيش السوري بدوره ردّ على تصاعد وتيرة الخروقات بحشد المزيد من التعزيزات وبدء عملية عسكرية في ريف “حماة” الشمالي مطلع أيار الماضي، وفيما لم تكن العمليات تتم بشكل متواصل فإن الجيش السوري حقق تقدماً واسعاً في ريف “حماة” الشمالي مسيطراً عليه بشكل كامل إضافة إلى السيطرة على مدينة “خان شيخون” الاستراتيجية جنوبي إدلب مع نهاية آب الماضي.
وأصدر الجيش السوري حينها بياناً أعلن فيه وقف إطلاق نار من جانب واحد لإفساح المجال أمام المدنيين للخروج نحو مناطق سيطرة الحكومة، وبعد مرور أكثر من 3 أشهر على ذلك الإعلان، استمر الوضع على ما هو عليه في “إدلب” مع تكرر خروقات “النصرة” الأمر الذي دفع الجيش السوري بحسب وكالة سانا الرسمية لتجديد عملياته العسكرية في “إدلب” انطلاقاً من ريفها الجنوبي الشرقي بهدف السيطرة على مدينة “معرة النعمان” الواقعة على طريق “حلب-دمشق” الدولي محققاً تقدماً متسارعاً على حساب “النصرة” وحلفائها.
خلاف في هيئة التفاوض المعارضة
وشهد الشهر الأخير من العام 2019 أزمة داخل صفوف “الهيئة العليا للتفاوض المعارضة” إذ أعلنت الخارجية السعودية تنظيم مؤتمر “الرياض 3” بغية انتخاب أعضاء جدد للهيئة وتعزيز تواجد المستقلين في صفوفها وفق بيانٍ صادرٍ عنها.
وعقدت “الرياض” مؤتمرها للمعارضة لكنها لم توجّه الدعوة لرئيس هيئة التفاوض “نصر الحريري” لحضور المؤتمر، الأمر الذي اعتبره “الحريري” انقلاباً سعودياً عليه واصفاً ما جرى بأنه تصنيع للمعارضة وليس استضافة لها، كما وصف “الحريري” المؤتمر بأنه فاقد للشرعية ولا يوجد له أي سند قانوني، في الوقت الذي تناقلت فيه وسائل إعلام مقربة من المعارضة أن الاجتماع تمّ خلاله انتخاب 8 أعضاء جدد في هيئة التفاوض تمهيداً لإجراء انتخابات شاملة للهيئة يهدف الجانب السعودي من خلالها إلى إيصال رئيس جديد للهيئة والحد من وجود الشخصيات الموالية لـ”تركيا” في الهيئة المعارضة.
الدولار وقانون “قيصر”
أما من الناحية الاقتصادية فإن السوريين لم يشهدوا تدهوراً في قيمة الليرة السورية كالذي عاشوه في العام 2019، فبينما افتتح العام بأزمات فقدان بعض المواد الغذائية تأثراً بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضد “سوريا”، فإن الأشهر الأخيرة من السنة شهدت تدهوراً قياسياً في قيمة الليرة السورية أمام سعر صرف الدولار الذي سجّل مرّة نحو 1000 ليرة سورية بعد استقراره لأشهر عند حاجز الـ 500 ليرة.
وزيادةً في التضييق على المدنيين السوريين فإن الإدارة الأمريكية أقرّت في كانون الأول 2019 قانون “قيصر” المتعلق بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على “سوريا” ومعاقبة أي شخص أو كيان يتعامل مع الحكومة السورية أو يستثمر في الداخل السوري رغم حاجة البلاد إلى جذب للاستثمارات وشركات إعادة الإعمار، في حين قرر الأمريكيون أن هذه وسيلتهم الناجعة لـ “حماية المدنيين” وفق ما جاء في عنوان القانون.
ولم تقتصر السياسة الأمريكية على الإضرار بمصالح السوريين عبر سرقة نفطهم وفرض عقوبات ضدهم بل ساهمت أيضاً في دعم الاحتلال الإسرائيلي سواءً لناحية اعتداءاته التي تكررت هذا العام على الأراضي السورية، أو لناحية إقرار “ترامب” باعتراف أمريكي رسمي بسيادة كيان الاحتلال على “الجولان” السوري المحتل في مخالفة علنية للقانون الدولي ومقررات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
حمل العام 2019 كثيراً من التحولات والتغيرات في ميادين السياسة والمعارك والاقتصاد، الإيجابية منها والسلبية، على أمل أن يكون العام 2020 نهاية للمأساة السورية المستمرة منذ 9 أعوام ويتمكن السوريون عبر حوارهم المشترك من الخروج بصيغة حل توقف معاناة المدنيين وتمنع سقوط المزيد من الضحايا والخسائر التي تتكبدها البلاد.
اقرأ أيضاً:أبرز ماتضمنه قانون قيصر الذي شدد عقوبات أميركا على سوريا