اللاعنفي ليس سوبرمان من كوكب كريبتون – ناجي سعيد
الطاعة كانت تمنع حتى من السؤال والاستفسار!
سناك سوري-ناجي سعيد
كيف يخطئ الإنسان استخدام مشاعره؟، أو بالأحرى كيف يمكن لإنسان تحريف هدف المشاعر؟، ولتوضيح ما أقول، لقد تذكّرت تعبيرًا كنت أسمعه من بعض الأهل ومن المعلّمين/ات في المدارس، حين يوجّهون اللوم للأطفال: “اسم الله حولك وحواليك”. ومن معنى هذه الجملة قفز الطفل من داخلي وطَفَقَ متأمّلاً بالمعنى، فالطفل حينها كان ينصاع للناضجين من حوله، ليكتسب ويتعلّم، وما كنتُ أعرفه جيّدًا (حينها)، طاعتي المدرسيّة. فقد أرسلني أهلي إلى المدرسة لأكل العنب، ولم أُفكّر قطّ بمحاربة الناطور.
وإلى الآن لم أفهم ما كان قصدُ معلّمتي (أمال) في الصفّ الأوّل من المرحلة الابتدائيّة، حيث كانت ردّة فعلها حين تعلم أن أحد الطلاب نسي دفتره في البيت، فكانت تسارع في القول: “ينساااك الموووت”. فالحيرة امتلكت براءة الطفل الذي كان مواظبًا ومجتهدًا، الطاعة تمنعه حتّى من السؤال والاستفسار. فالطاعة يرافقها الشعور بتصديق مُطلق من المُطيع للمُطاع!!، وكان عقلي بمنطقه السويّ يحرّك الأسئلة على الشكل الآتي:
الطفل المتمرّد: ما الذي تقصده المعلّمة؟ أليس معنى هذه الجملة إيجابي؟
(بعد سنوات..) الناضج التربوي: نعم نعم، فهذا الذمّ المغلّف بأمنية جميلة.
الطفل..: لكنّ تربية أهلي في المنزل أكسبتني بأن أعبّر عن مشاعري كما تحضر عندي، دونما تزييف وتغليف. الناضج: يحتاج الإنسان أحيانًا لأن يزاوج المديح مع شعور الغضب، فينتج عن هذا التزاوج ما يُسمّى “السُخرية”! الطفل: ..ما أفهمه أن المُعلّمة التربوية كانت تستخدم السخرية لتربيتنا؟، الناضج: أودّ أن أوضح لك شيئًا يا عزيزي: أنت تلاحظ دائمًا، حين يبتاع أحدنا جهازًا ما او آلة أو أيٍّ من أغراض المنزل، فإن الخطوة الأولى التي يقوم بها هي: قراءة “الكتالوج” لمعرفة تشغيلها والتعامل معها. الطفل: نعم رأيتُ أمّي تفعل ذلك عندما اشترينا الغسّالة!.
اقرأ أيضاً: المثقفون واللاعنف – ناجي سعيد
الناضج: وهذا ما يجب أن يكون بالنسبة للإنسان. هل فكّر أحدهم بقراءة “كتالوج” المشاعر؟ قلّ من يتعمّق بذلك. فهذا الموضوع يقع في مجال التربية. وهذه التربية تنقسم عند الطفل بين المدرسة ومنزل العائلة. ويبقى صراع المشاعر الطفوليّة: من أًصدّق أبي وأمّي؟ أمّ المعلّمة والأستاذ؟، ما تعلّمته حين بدأت عملي في المجال التربوي الإنساني والاجتماعي عن المشاعر من خلال فيلم كرتوني مُبدع “inside out” وهو فعلاً تعليمي، للصغار والكبار. ويشرح ما الذي يحدث داخل جسم الإنسان في حال قمع شعور من المشاعر الخمسة!، لن أخبركم عن أحداث الفيلم على أمل تحفيز القارئ للبحث عن الفيلم ومشاهدته. ولكنّ ما أود أن أقوله، بأن الخبراء والمختصّين، حدّدوا خمسة مشاعر: الفرح/ الحزن/ الغضب/ الخوف/ الاشمئزاز. وعلى الفور سيخطر ببال القارئ: الضحك؟ البكاء؟ الصراخ؟ القرف؟ الرعب؟ والجواب السريع على هذا التساؤل: هذه حالات يمرّ بها الانسان حين تعرّضه لشعورٍ من المشاعر الخمسة.
فالفرحان يضحك، والحزين يبكي، والخائف يصيبه الرعب. إلخ.. هل كانت تُدرك “معلّمة الروضة” آمال بهذه المشاعر. وهل من المسموح تربويًّا أن نُخيف الطفل لقصور ذاكرته؟ أو لتقصير أهله بمتابعته ورعايته؟ والمشكلة الأكبر، أن هذا الخوف المُتوقّع من الشعور بالغضب المرسوم على وجه المُعلّمة، والتي أخرجته بدُعاء خيِّر ولطيف: ينساك الموت. ومن منّا لا يتمنّى الخلود؟ دون علم ومعرفة “المِسّ آمال” إن استحالة تحقيق أمنية الخلود التي تستخدمها للتعبير عن الغضب، يشبه استحالة انتشار اللاعنف، في حال لم نعمل على تثقيف أنفسنا بمعرفة المشاعر وكيفيّة إدارتها. والردّ الطبيعي على السؤال الساذج: أنت لاعنفي، وهل تغضب؟ نعم فالمشاعر بشرية، واللاعنفي ليس سوبرمان من كوكب “كريبتون”!!.
اقرأ أيضاً: الذات السعيدة – ناجي سعيد