القصف النووي في المكان الخطأ – أيهم محمود
تبرير البعض لفعل القاتل في مصر شجع القاتل الأردني على القيام بفعله الجرمي

تجرأ شاب مصري على قتل زميلته في الجامعة علناً في وضح النهار، أمام الجميع، وأمام الكاميرات التي سجلت الواقعة، ثم تلاها. قتل أردني لطالبة أخرى مقتدياً بفعل المجرم المصري الذي ذبح زميلته، القاسم المشترك بين الجريمتين هو تجرؤ الاثنين. على تحدي مجتمع بأكمله، بما يتفرع عنه من سلطات وقضاء وقوانين وأنظمة، هنا لب المشكلة، في فعل التحدي والاستخفاف. بالقانون وبهيبته وليس في فعل القتل لأسباب عاطفية والذي هو حالة شائعة في العالم كله وليس في منطقتنا فقط.
سناك سوري-أيهم محمود
هناك فرق هائل بين حالات الإجرام التي حاول فيها المجرم إخفاء فعله عن أعين المجتمع خجلاً وإيماناً منه بأنه قد ارتكب فعلاً. غير صحيح وبين الحالات التي أعلنها القاتل على الملأ لإعتقاده بضعف سلطة المجتمع وتنظيمه أو لاعتقاده أنه يحق له فعل. هذا الأمر، أفضل مثال على التوجه الثاني هو ما يسمى خطأً “جريمة شرف” بينما هي جريمة عار، عار المجتمع الذي يسكت عنها ويقبل بها.
لم يكن فعل قاتل الطالبة المصرية فعلاً فردياً شاذاً، بل فعل قسم من المجتمع، القسم الذي يمنح لنفسه الحق الاستثنائي بالقتل. لأسباب مختلفة، التعاطف ومحاولات تبرير فعل الجاني تعكس بوضوح تلك النزعة التي تسعى لتكوين قانون خاص يرث -أو للدقة- “يحتل بالعنف والقوة” مناطق واسعة كانت سابقاً مساحة سيادة للقانون العام.
تبرير البعض لفعل القاتل في مصر شجع القاتل الأردني على القيام بفعله الجرمي، وكان سيطلق موجة من التشجيع العام في. المنطقة لهذ الفعل لولا انتحار الجاني الأردني، واتخاذ القاضي المصري موقفاً في غاية الوعي والنبل والشجاعة، عبر تلك الإدانة. السريعة والحاسمة لهذا الفعل الإجرامي الخطير.
لقد رفض القاضي المصري في إدانته القاسية للجريمة محاولات الجهات الذكورية تبرير أفعال القتل كما يحلو لهم وكما تشتهي. أنفسهم وتتمنى، ليست القضية مصرية بل قضية منطقة بأسرها انتظرت فم القاضي الذي نطق حقاً ونوراً وسيفاً فصل. بين الطغيان والعدل، هناك من حاول حماية المتهم بتصويره كمختلٍ عقلياً كما يحدث في الكثير من الجرائم الدينية وبعض الجرائم السياسية، من هنا نستنتج الأهمية البالغة للحكم الحاسم والسريع للقاضي، لقد أزعج هذا الحكم الذكور في المنطقة، جعل في حناجرهم حُرقة، وفي حلقهم غصة، وهذا هو الرجاء، وهذا هو القصد والأمل، من حكمٍ واضحٍ وجلي في حق من ارتكب فعله ضد من لا يملك القوة البدنية ليحاول بها على الأقل الدفاع عن نفسه.
اقرأ أيضاً: القتل البطيء للعقل السوري – أيهم محمود
هذه الجريمة صورة مصغرة عن فعل القتل الذي تمارسه الأكثريات الدينية أو السياسية في حق المستضعفين على امتداد المنطقة. وامتداد العالم، وهو مقدمة لتفسخ المجتمع وانحداره بسرعة نحو الخوف والحقد والحروب الأهلية، ليست حادثة القتل في مصر وفي الأردن حادثة فردية بل هو إرهاب ثقافةٍ ضد ثقافةٍ أخرى، ثقافةٌ تريد أن تقول عبر استخدام العنف والبلطجة أن لا صوت يعلو فوق صوتها.
مباركٌ ذاك الفم الذي نطق بالحق في أقصر فترةٍ ممكنة ليعيد الهيبة والاحترام للنظام العام، وليعيد هيبة القانون عبر احترام حق الحياة. وعبر عدم زج هذا الحق في معارك القوى غير المتكافئة.
لقد غرق العالم سابقاً في محاولات خاطئة لفرض هيبة النظام العام من خلال توظيف أزمة صحية عالمية، بعض الإجراءات الأولية. للإغلاق العام مبررة إلى حين اكتشاف العامل الممرض وطبيعته ومقدار خطورته، لكن ما زاد عن هذه الحاجة كان معركةً. بين إرادات الأفراد وحرياتهم وبين النظام العام الذي أراد فرض هيبته في مكانها غير الصحيح.
لقد فشل النظام العالمي في مسائل اقتصادية وبيئية بالغة الخطورة، تآكلت هيبته بسبب عجزه وضعفه الواضح أمام طغيان جشع الأفراد. وأمام تمركز الأموال والقوة ونوازع استعباد الآخرين في أيدي قلة صغيرة من البشر، عندما لم يستطع النظام العام ردع. أفراد هذه القلة لجأ إلى محاولة استعادة هيبته بفرض الوصاية على الضحايا بدل مهاجمة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الأزمات، الإغلاق الذي ما زالت بعض الدول مصرة عليه يشبه استخدام الأسلحة النووية ضد الجميع لفرض الخوف العام بينما كان بالإمكان لرصاصة واضحة الهدف أن تفعل الكثير لو تم تسديدها إلى من يستحقها فعلاً.
أعلم أن هناك اعتراضات قوية على حسم القاضي المصري لهذا الفعل الفاضح القبيح، فعل محاولات التبرير والتسويف لإنقاذ هذا. الذكر من الموت الذي يستحقه، العدل لا يعرف أنثى أو ذكر، لا يعرف ديناً للقاتل أو للضحية، لا يعرف حالةً مادية، ولا يتأثر. بمالٍ أو جاه، لم يخجل القاتل في فرض منطقه ليس على المجتمع المصري فحسب بل على شعوب المنطقة كلها وعلى صورتها. العامة أمام العالم كله، لذلك جاء رد القاضي سليماً وصحيحاً فالميوعة في مثل هذه القضاياً عنوانٌ آخر للقتل.
نأمل أن يتوقف النظام العالمي العام عن محاولة محاربة الضحايا بدل محاربة من يستغل عوامل قوته ضد الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. نأمل أن يتطور الوعي القانوني العام ليشمل جرائم الشرف التي يجب أن تُعامل كإعتداء صارخ على المجتمع وقيمه. وقوانينه بل وحتى دينه، فجريمة الشرف تبيح للفرد الذكر المدلل أن يدمر كل القوانين، كل الأنظمة العامة، وكل الأنظمة الدينية. ليعطلها كلها في فعل إجرامٍ واحد، جريمة الشرف هي اعتداء على النظام العام وليس على فرد إنساني واحد، هي استهزاء معلن وواضح بقوانين المجتمع المدونة، لذلك يجب ان تكون العقوبة متناسبة مع خطورة هذا الفعل، وهي تختلف كثيراً عن فعل القتل الفردي الذي نبحث في أسبابه المخففة.
حكم القاضي المصري نقطة ضوء واضحة في بحار من الظلام المحلي والعالمي، رسالة لا بد منها مهما بدت للبعض قاسية لكنها. بالتأكيد ليست اقسى من رسالة القاتل، ورسالة من يقف ثقافياً وراءه، ورسالة من يحاول التخفيف والتقليل من خطورة فعله.