أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

العطالة المؤسساتية في سوريا .. مراسيم طيّ النسيان وإغراق في الروتين

رئيس الحكومة سبق وزيرة التنمية بالدعوة إلى وزارات ببنى رشيقة

ربما سمع أغلبنا في أكثر من مناسبة محللين و أكاديميين ومختصين بالإدارة يستخدمون مصطلح “العطالة المؤسساتية في سوريا” لوصف عدم قدرة الإدارات العامة في المؤسسات والشركات الحكومية على الاستجابة المطلوبة  للمتغيرات السريعة  والأزمات والكوارث.

سناك سوري _ فراس سلمان

حيث تعد العطالة المؤسساتية من مظاهر التخلف الإداري. ونستطيع لإيضاحها أن نعرّفها بأنها نزعة عند المسؤولين الإداريين  وأصحاب القرار لأداء الأعمال بالطريقة الروتينية المعتادة. وإهمال الطرق الجديدة المطلوب العمل وفقها من جهة. وعدم الاستجابة لمتغيرات حرجة بالسرعة المطلوبة بل الاكتفاء بالإجراءات الروتينية من جهة أخرى.

أما علمياً فالعطالة تعني رد الفعل المتأخر كما تعني القصور الذاتي الذي يجعل المنظمة الإدارية تبطئ من مفاعيل أي مدخل جديد حد التلاشي أحياناً.

أمثلة عن العطالة المؤسساتية

تناقلت وسائل الإعلام المحلي ومواقع التواصل مؤخراً خبراً مفاده إلغاء الحاجة لبراءة الذمة المرورية لإتمام تجديد رسوم التأمين على السيارات. حيث كان موضوع براءة الذمة يزداد تعقيداً مع كل تعميم يصدر عن إدارة المرور. فتارة يجب على مالك السيارة التي تحمل لوحة محافظة مخالفة لمكان إقامته استخراج براءة الذمة من أي مركز مروري شرط أن يكون خارج محافظته. وتارة أخرى يجب على صاحب السيارة التوجه إلى مركز المحافظة لاستخراج براءة الذمة ثم العودة إلى مركز مدينته لإتمام التأمين في أحد المراكز التي انتشرت في المناطق ضمن إطار تحديث الخدمات وتبسيطها والحديث عن التحول الالكتروني الذي سيجعل إنجاز الأعمال بصورة أسرع.

إن أردت تصحيح خطأ ارتكبه موظفو الإدارة في بيانات حركتك على المنافذ الحدودية فتستطيع إنجاز ذلك في أقرب فرع. أما إذا كان الخطأ يتعلق بأول أو آخر سفر من مركز حدودي. فعليك في هذه الحالة بحسب التعميم مراجعة الإدارة في دمشق لتصحيح الخطأ على نفس الشبكة

 

وقد يكون لصاحب هذه التعليمات مبرراته في تنظيم العمل والحد من ظواهر معينة. لكن الملفت هو أن إنجاز هذه المعاملة يتم على نفس الشبكة الحاسوبية من أصغر مركز مروري إلى العاصمة. فلماذا يجب على المواطن أن يسافر في هذه الظروف القاهرة عدة سفرات لتجديد تأمين سيارته. علماً أنه في عالم اليوم أصبحت مخالفات السير تصل إلى مرتكبها على موبايله نتيجة الإمكانيات التي تتيحها الأتمتة.

وإذا أكملنا مع خدمات وزارة الداخلية فسنرى في تعاميم إدارة الهجرة والجوازات نفس الظاهرة. فإن أردت تصحيح خطأ ارتكبه موظفو الإدارة في بيانات حركتك على المنافذ الحدودية فتستطيع إنجاز ذلك في أقرب فرع. أما إذا كان الخطأ يتعلق بأول أو آخر سفر من مركز حدودي. فعليك في هذه الحالة بحسب التعميم مراجعة الإدارة في دمشق لتصحيح الخطأ على نفس الشبكة. وبالتأكيد لم يخطر ببال مصدر التعميم تكلفة السفر من أي محافظة إلى محافظة خاصة المحافظات البعيدة.

ماذا حلّ ببرنامج الجدارة القيادية؟

و ربما كان لوزارة الداخلية -التي لازالت تدار بالتراتبية الشرطية بعيداً جداً عن مفهوم الخدمة المدنية- خصوصية تجعلها لا تصلح كمثال نموذجي على عمومية ظاهرة العطالة ومقامة التغيير. ولكن ماذا عن بقية الوزارات؟ دعونا نتلمس الوضع من خلال جهود وزارة التنمية المخولة قيادة عملية الإصلاح الإداري والتي أعلنت عن برنامج إداري كبير وطموح عام 2015. بعنوان “الجدارة القيادية” لإعداد قادة إداريين يحدثون فرقاً في الواقع الإداري. ضمن خطة تبدأ بـ “تطوير نظم ومعايير اختيار القيادات الإدارية العليا في الجهاز الحكومي والقطاع العام”. لنسأل أين هي نتائج الجهود والتكاليف التي بذلت؟ ربما يأتي الجواب على لسان أحد المشاركين في مؤتمر للإصلاح الإداري. أخبر المذيعة أنه خريج المعهد الوطني للإدارة العامة ولاحقاً نجح في مسار الجدارة القيادية ولكن رغم ذلك لم يتغير موقعه الإداري.

العطالة ما قبل الأزمة

قد يعتقد القارئ أنه لا يصح دراسة هكذا ظاهرة في ظل ظروف الأزمة السورية الخانقة. ولكن للأسف فظاهرة العطالة ضاربة الجذور في الإدارة العامة السورية منذ ما قبل الأزمة بكثير.

عقدت وزارة التنمية الإدارية العام الماضي مؤتمراً تحت شعار “إدارة فعالة نحو مؤسسات ديناميكية” وشدد رئيس الحكومة في ختامه على «أهمية نتائج المؤتمر لجهة إقرار الهياكل التنظيمية الجديدة للوزارات ببنى رشيقة».

 

وكمثال شبيه بالمثال السابق تذكرت موضوع ترسيم السيارات السنوي والذي ألغي قبيل بدء الأزمة واستعيض عنه برفع سعر البنزين. وذلك نتيجة الضغط الشعبي لإيجاد حلول لإجراءات الترسيم المعقدة وفشل جميع الجهود والقرارات التي صدرت لتبسيط الإجراءات وتنظيمها.

حيث كانت الإدارات تلتف عليها بمنتهى السهولة والسرعة. وبنفس الطريقة التي قاومت بها الإدارات قرارات ومشاريع وحتى مراسيم أهم من معاملة سيارة بكثير. فلدينا على سبيل الأمثلة قرار رئيس مجلس الوزراء المتعلق بمدة إسناد وظيفة المدير العام والذي تخامد حد النسيان. ولدينا قرار رئيس مجلس الوزراء بتعيين خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة بوظيفة رئيس دائرة على الأقل والذي وجد طريقه إلى الأرشيف بسرعة مذهلة في كافة الإدارات. لا بل رأينا مراسيم مهمة حظيت بدعم سياسي غير مسبوق. مثل مرسوم تحويل المؤسسة السورية للاتصالات إلى شركة عامة. والذي لم ينجز حتى الآن بعد مرور ثلاثة عشر عاماً. ناهيك عن أمور فنية مثل عدم تفعيل العمل بنظام الموازنة والأداء رغم كل الجهود التي بذلت للعمل به….الخ

مكافحة العطالة في زمن الترشيق الإداري

تناقل العديد من المدونين على شبكات التواصل الاجتماعي تصريح وزيرة التنمية الإدارية. حول قيام الحكومة السورية بخطوات للوصول إلى مؤسسات رشيقة وفعالة. وللعلم فإن هذا التصريح الجديد يتعلق بمشروع ليس بجديد.

فقد عقدت وزارة التنمية الإدارية العام الماضي مؤتمراً تحت شعار “إدارة فعالة نحو مؤسسات ديناميكية” وشدد رئيس الحكومة في ختامه على «أهمية نتائج المؤتمر لجهة إقرار الهياكل التنظيمية الجديدة للوزارات ببنى رشيقة».

لم يكن المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي انطلق بتاريخ 20 حزيران 2017 أول الجهود المبذولة للإصلاح الإداري في “سوريا”. ولكنه الأحدث والأشمل. ومن المؤسف أن المواطن لم يشعر بتغير ملموس على مختلف الأصعدة التي يعمل عليها المشروع

 

وبالرغم من تأكيدنا على أهمية هذه الخطوات لا بل إلحاحها في ضوء الواقع. إلا أننا نشير أنه يتم التمييز عادة في علم الإدارة بين وضعيتي السكون والحركة للإدارة. حيث يمكن تشبيه وضعية السكون بالعتاد الصلب “hard ware” وتشمل البنية التنظيمية ومراكز العمل والتوصيف الوظيفي…..الخ. فيما تمثل وضعية الحركة العتاد المرن “soft ware” وتتعلق بمدى كفاءة استثمار البنى الصلبة لتحقيق الأهداف كتقليل العطالة والروتين والكفاءة الاقتصادية.

فإذا كانت الإدارات العامة المنظمة والمبنية على قواعد وأسس صحيحة في مختلف الدول تعاني من بعض مظاهر التخلف الإداري كالعطالة والروتين وقلة الكفاءة …..الخ. نكون في مرحلة بناء الأسس وما قبل معالجة الأداء الإداري .

لا يمكن التخفيف من العطالة دون المتابعة

لم يكن المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي انطلق بتاريخ 20 حزيران 2017 أول الجهود المبذولة للإصلاح الإداري في “سوريا”. ولكنه الأحدث والأشمل. ومن المؤسف أن المواطن لم يشعر بتغير ملموس على مختلف الأصعدة التي يعمل عليها المشروع وفي مقدمتها برامج وزارة التنمية الإدارية التي تغطي المحاور المطلوبة لإنجاز الإصلاح كالتنظيم المؤسساتي والتشريعات الوظيفية ومؤشرات الأداء.

ورغم أنه لم يتم إنجاز البرامج بصورة كاملة إلا أن مظاهر العطالة المؤسساتية التي أسهبنا في ذكر أمثلة لها ستفرغ أغلب مضامين هذا الإصلاح. وللعلم فإن هذه البرامج ممكن أن تقوم بإعدادها جهات دارسة كالجامعات ومراكز التطوير ولكن العبرة بالمتابعة الفعالة للنتائج.

و لقد لفت انتباهي في كتاب التنظيم الإداري والأساليب أن الخبراء أوصوا في أحد الدول العربية منذ عام 1963. بإنشاء جهاز حكومي متخصص في أعمال التنظيم والإدارة تتبع له وحدات مماثلة في الوزارات والإدارات. يتولى عدة مهام أولها متابعة تنفيذ الدراسات التي قدمها الخبراء وتبنتها اللجنة العليا للإصلاح الإداري.

وبالنتيجة فإنه للحد من ظاهر العطالة يجب أن تكون المتابعة أول مهام الوزارة المختصة بالإصلاح الإداري. كما أن هناك عوامل لا تتعلق بالوزارة كوجود رقابة علمية مستقلة وشفافية وقنوات اتصال فعالة.

زر الذهاب إلى الأعلى