الشاعرة عزيزة هارون تزوجت عدة مرات ولم تنجب سوى القصائد
عزيزة هارون صفصافة اللاذقية التي هوت في دمشق..
سناك سوري – عمرو مجدح
تعتبر الشاعرة “عزيزة هارون” ابنة حي “القلعة” بمدينة “اللاذقية” أن التجربة الأقسى التي تركت أثراً في حياتها زواجها وهي طفلة بعمر الثالثة عشرة من أحد أبناء عمومتها الذي يكبرها بأعوام كثيرة والذي كان من أبرز أسباب توقفها عن متابعة تعليمها إلا أنها تابعت دراستها من البيت على يد بعض المشايخ.
كتبت الكاتبة” فادية الخشن” في مجلة “الثقافة” 1986 قائلة:« سردت “عزيزة هارون” لي قصة حياتها فقالت: أوقدوا لي كل الشموع وأحرقوا ورائي كل المراكب، كان عمري 13 عاماً يوم جاء والدي وقال لي من هذه اللحظة أنت مخطوبة لفلان، كانت أعوامي 13 أضعف وأصغر من أن تصمد في وجه إغراءات العرس والأضواء والفرح والأغاني وتزوجته لأشرب أول جرعة ألم ومع أول صرخة أدخلتني عالم النساء أو عالم الحريم كما يسمونه، يبدو أن انكسار القلوب الكبيرة – الصغيرة كان أهون بكثير من تطويعها لقد كسروا قلبي بزواج مبكر غير متكافئ قاومته كي لا يشوه براءة الطفولة وجمال الصبا، وانتصرت إرادة الفتاة الشرقية ليسمى بعرف الآخرين فشل الزواج».
اقرأ أيضاً:من هي الكاتبة السورية التي تزوجت محمود درويش وباتريك سيل؟
تختصر الشاعرة السورية المولودة في العام 1923 حياتها بأبيات شعرية تقول فيها :«وحيدة، وحيدة، وحيدة / قصيدة تبحث عن قصيدة / فمتى يا تراب تضم كياني بغير عذاب /صحارى حياتي /عواء ذئاب وكل حياتي / سراب، سراب»، وقد ظهرت موهبتها منذ أوائل الاربعينات وكتبت لعدة مطبوعات منها مجلة “الصباح” الدمشقية ومجلة “أصداء” و”التمدن الإسلامي وغيرها” وتحكي عن بداياتها في حوار مع مجلة “الثقافة” قتقول:«في سنوات الصبا المقهور والمقموع تفجر الشعر في نفسي كما لم يتفجر أبداً، تفجيراً ثائراً مقاتلاً مدافعاً عن المرأة المظلومة عن العاملة المقهورة ورحت ألتهم الكتب لأغذي شاعريتي، قرأت الكثير من الأدب المترجم شعراً ونثراً، وتوهج في نفسي الظمأى كل ما قرأت».
أحبت “هارون” الشعر الجاهلي ، فتنت بشعر الصعاليك كما أحبت شعر ابن” أبي ربيعة” ، تأثرت بحواره الشيق الممتع وبعفويته المحببة، أعجبت بشعر “المتنبي”، وتأملت شعر “أبي تمام” وأسرتها معانيه الخلابة لكنها أحبت جداً شعر “العباس بن الأحنف” الذي بقي بشعره العذب الرقيق حبيباً لنفسها، وعن أشعارها قالت:«في شعري تتجلى كل تجاربي الوجدانية وأحزاني الإنسانية، أحببت وطني بكل قلبي وهزتني آلامه فكنت أراه في قلبي وروحي وبالشعر الذي أحببته غنيت الوجود».
في آخر سنين حياتها احتجبت “هارون” عن الأنظار واعتذرت عن حضور الكثير من الأمسيات وعاشت الوحدة بكل معانيها ولم يكن رفيقها سوى المرض وفي عام 1986 بهدوء رحلت في “دمشق” دون أن تترك ورائها حتى ديوان واحد مطبوع وفوجئ المجتمع الثقافي السوري بخبر رحيلها فوصفه الكاتب مروان الخاطر بـ” الصفصافة التي هوت” وكتبت عنها الأديبة “وداد سكاكيني” قائلة : «عاشت ثلاثة وستين عاماً وكانت تنتظر أن تنشر هذا الشعر بنفسها فأبطأت وتريثت حتى سبقها الموت، سيذكر الناس “عزيزة هارون” التي كانت شاعرة ملهمه وصديقة صادقة مخلصة كما كانت بارة بأهلها وبوطنها وبالعروبة».
اقرأ أيضاً:“ليلى نصير”.. الفنانة التي رسمت حكايا المارّة على أرصفة اللاذقية
بينما تذكر ابن مدينة “الرقة” الأديب “عبد السلام العجيلي” في مقال نشر على صفحات مجلة “الثقافة” تواضعها قائلاً : «على الرغم من تواضع “عزيزة هارون” أو من ضعف اعتدادها بنفسها، ومن قلة استجابتها إلى ماكان يوجه إليها من دعوات إلى إلقاء قصائدها فإن شخصها وشعرها كانا دوماً موضع التقدير في المهرجانات والأمسيات الأدبية التي شاركت بها في بلدان الوطن العربي المختلفة، ويكشف أن واحدة من قصائد الشاعر “بدوي الجبل” كانت من وحي “عزيزة” قائلا : «واحدة من أجمل قصائد الشعر العربي في عصرنا الحاضر، وهي قصيدة “اللهب القدسي”، إنما استلهمها شاعرها الكبير من عاطفة حملها ذات يوم لهذه الشاعرة».
الشاعر “أنور الجندي” رثى “هارون” فقال:«ماتت، كما مات الصباح / ماتت وفي فمها الصداح/ ماتت، ولم يسمع لها ،/ صوت، ولم تشهق جراح، بينما كلفت الندوة الثقافية النسائية صديقتها الشاعرة “عفيفة الحصني” بجمع شعرها المنشور لإصداره في ديوان.
تزوجت عزيزة أكثر من مرة ولم تنجب سوى القصائد التي كانت تنشرها في المجلات الثقافية وتلقيها في المحافل والأمسيات الأدبية مثل صالون “وداد السكاكيني” في “دمشق” كما شاركت بالعديد المهرجانات الأدبية والمؤتمرات منها مؤتمر “بلودان” للأدباء العرب عام 1956 ومهرجان الشعر 1961 ورافقت الوفد الثقافي إلى “موسكو” عام 1957، اختيرت عام 1958 عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الأداب والفنون، عملت منذ عام 1963 وحتى عام 1984 في إذاعة “دمشق” في مجال إعداد البرامج والزوايا الثقافية.
اقرأ أيضاً:ليس لديها مزاج للسياسة.. غادة مردم بيك أول مخرجة سوريَّة