وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم في أوائل شهر آب 2017 خمسة شبان سوريين لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً للانطلاق منها في رحلة التهريب إلى أوروبا عن طريق الصحراء الليبية.
سناك سوري – الخرطوم – بلال سليطين
الشبان الخمسة ينحدرون من محافظة درعا في الجنوب السوري وهم يعيشون في لبنان منذ سنوات يقول “هيثم” وهو أحد المهاجرين إنه ضاق ذرعاً بالحياة في البلد الشقيق. فهناك غلاء شديد ولا يشعر بالاستقرار في هذا البلد الذي يمارس فيه البعض العنصرية تجاهه.
لايعرف “هيثم” ورفاقه كيف سيهاجرون بعد. فهم قادمون إلى “السودان” دون تنسيق مسبق للبحث عن مهرب ينقلهم في طريق رحلتهم المحفوفة بالمخاطر.
العثور على المهرب في “السودان” أمر سهل فأغلب الفنادق فيها سوريين ينتظرون للسفر إلى ليبيا وعبرها. وهناك يلتقي السوريون مع بعضهم البعض ويستدل كل واحد منهم عن طريق الآخر إلى المهربين الذين تتفاوت جودة عملهم بحسب الدفع.
الشبان الخمسة تعرفوا على مهرب سوري ومعه شريك ليبي. مهمتهما إيصالهم فقط إلى شواطئ ليبيا أو شواطئ المغرب حسب اختيار الزبون. المهرب السوري “أبو محمود” رجل يرتدي نظارات طبية وهو في الخمسين من عمره وينحدر من ريف دمشق. يقول لـ سناك سوري:« إن هذه مهنته منذ ثلاثة أعوام. ويؤمن من خلالها مصروف حياته وعائلته في الخرطوم».
اقرأ أيضاً: الختيار في قبضة الأمن بعد عشرات عمليات التهريب إلى سوريا
يقول “أبو محمود” وهو من المهربين المشهورين:«إن حصته لا تزيد عن 200 دولار عن كل شخص من أصل 2000 دولار تكلفة تهريب الأشخاص عبر ليبيا. أما باقي المبلغ فهو يذهب لشركائه في ليبيا».
هناك طريقان للتهريب عبر ليبيا واحدة عن طريق الصحراء وأخرى عن طريق المطار. طريق المطار هو الأكثر أماناً وكلفةً وقد يصل إلى 3000 دولار للشخص الواحد. لكنه طريق آمن على اعتبار أن المهاجر يركب طيارة من مطار الخرطوم إلى مطار طرابلس ومن هناك يكمل طريقه إلى أوروبا. وهو يحتاج من أجل ذلك الحصول على موافقة أمنية من ليبيا يتم تأمينها عن طريق المهرب.
“خلدون” واحد من الذين ينتظرون السفر بالطائرة. وهو شاب من مدينة حمص تعيش خطيبته مع عائلتها في “طرابلس” وهو ذاهب إليها ليتزوجا ويستقر في ليبيا. يقول إنه لا يعلم شيئاً عن الحياة هناك لكن (بيت حماه) يقولون له أنهم يعيشون حياة جيدة. وأنه بإمكانه كسب رزق جيد من عمله في تصليح السيارات.
ابن حمص ينتظر منذ شهرين تحديد موعد السفر من قبل المهرب. يقول إن مصروف إقامته خلال هذه المدة زاد عن 1200 دولار. وسيدفع 3000 دولار للوصول إلى ليبيا.
اقرأ أيضاً: خطوط التهريب إلى تركيا مفتوحة.. عروض بآلاف الدولارات لخطوط عسكرية ومدنية
المفاجأة أن “خلدون” قادم من الإمارات التي انتهى عمله فيها. وهو يفضل العودة إلى سوريا التي غادرها منذ العام 2011 لكنه يخشى أن يكون مطلوباً للخدمة الاحتياطية أو لأحد الأجهزة الأمنية. لذلك اختار ليبيا التي سيدفع لكي يصل لها مبلغاً يكفيه لبداية حياة جديدة في سوريا.
الطريق الثاني وهو طريق الموت. أو طريق الفقراء. فهو قليل التكلفة كثير المخاطر. لكنه الأكثر استخداماً من قبل السوريين. وهو الطريق الذي سيسلكه الشبان الخمسة.
في بهو الفندق حيث يجتمع المهرب مع الشبان ويتصل بضابط منشق من محافظة درعا يدعى “أبو عدي”. وهو يعيش حالياً في إسبانيا ويدير شبكة تهريب نشطة على خط السودان إسبانيا. حيث يتولى “أبو عدي” نقل الشبان من شواطئ المغرب التي سيصلونها عبر ليبيا إلى شواطئ إسبانيا ومنها يتابعون المسير إلى ألمانيا.
خلال الحديث يطلب المهرب من الشبان أن يرتدوا ثياباً تغطي “الوشوم” على أيديهم. يقول لهم إنها تشكل خطراً عليهم في حال استوقفتهم إحدى الفصائل الإسلامية الموجودة في ليبيا. ينظر الشبان إلى بعضهم البعض مستغربين. ويعدونه بتنفيذ الأمر.
اقرأ أيضاً: شاب سوري: حرس الحدود البيلاروسي داسوا على مفاصلي وسرقوا نقودي
“أبو فهد” وهو سوري يتاجر بالعملة ويقصده أغلب السوريين الذين يذهبون إلى السودان من محافظة درعا. يقول:« إنه لا ضمانات على طريق الموت نهائياً. فالكثير من الشبان الذين قصدوا هذا الطريق لم يصلوا إلى وجهتهم وفقد الاتصال بهم بعد يوم من سفرهم».
يقول “أبو محمود”:«إن بعضهم يموت من العطش والجوع. فالتهريب عن طريق الصحراء الليبية ليس أمراً سهلاً. خصوصاً في مرحلة المشي سيراً على الأقدام. فهي مسافة طويلة ولا يستطيع الجميع الصمود فيها. نحن نقول لهم ذلك قبل السفر وهم يوافقون».
لا تقتصر المخاطر على الصحراء يقول أبو مالك لـ سناك سوري:«هناك تجارة أعضاء بشرية. وهناك عمليات نصب واحتيال من قبل المهربين الذين يتركون الناس بالصحراء بعد سرقة كل مايحملون من أشياء ثمينة. فلا حسيب ولا رقيب عليهم».
في إحصائية تقديرية أجراها سناك سوري بالتعاون مع عدد من السوريين ضمن منطقة السوق العربي تبين أن أكثر من 25 ألف سوري أقاموا في الفنادق قبل أن يسافروا عن طريق ليبيا منذ بداية العام الجاري وحتى الآن. يقول “أبو فهد”:«إن نصفهم لم يصل إلى وجهته».
وبحسب المنسق الإقليمي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. “أمين عواد”:«هناك ما يتراوح بين 30 إلى 40 ألف نازح سوري توجَّهوا إلى ليبيا منذ بداية العام الحالي استعداداً لعبور البحر المتوسط باتجاه أوروبا. وذلك بسبب انخفاض حجم المعونات الدولية المقدمة لهم في البلدان المجاورة لسوريا».
اقرأ أيضاً: وفاة عائلة سورية غرقاً بينما كانت بطريقها إلى أوروبا
المخاطر لا تنتهي عند حدود التهريب فهناك خطر النصب والاحتيال من قبل المهربين. “أبو محمود” المهرب الذي التقيناه. جمع من مجموع الراغبين بالهجرة في “الخرطوم” خلال شهر آب حوالي “150” ألف دولار. ومن ثم غادر إلى جهة مجهولة وبعدها عرف إنه في “تركيا”. وأن المهاجرين تعرضوا لعملية نصب.
الشبان الخمسة كانوا أحد ضحايا “أبو محمود” الذي أخذ نصف ما يحملون من النقود من أجل تهريبهم. وهم اليوم شبه عالقين عاجزين عن متابعة رحلتهم بما تبقى لديهم من أموال. يقول “أبو فهد”:«من حسن حظهم أنهم تعرضوا للنصب. فهذا أفضل من الموت في طريق التهريب في الصحراء الليبية».
اختيار طريق السودان ليبيا بالنسبة للسوريين جاء بعد فرض “تركيا” الحصول على تأشيرة لدخول السوريين إلى أراضيها. ماجعل الأمور معقدة بالنسبة لهم. فكان الخيار عبر السودان الذي لا يفرض تأشيرة. وهو بلد مضياف للسوريين والشعب فيه يكن كل الإحترام لسوريا وأهلها. حتى أن عدد السوريين المقيمين فيه بات بمئات الآلاف.
جدير بالذكر إن هؤلاء السوريين الذين يموتون في الصحراء ويخضعون لابتزاز المهربين. يحتاجون فقط أماً حنونةً تقول لهم تعالوا إليَّ فأنتم بأمان حتى يهرع إليها أكثر من نصفهم. وهذه الأم بالتأكيد هي وطنهم.