الرياضيات والتلقين: مساحة تأمل …. ناجي سعيد
لطالما راودتني فكرة الكتابة عن أمر لم يكن من المسموح النقاش به منذ الصغر. ليس الموضوع من المحرمات “لا سمح الله” لكن “الخبرية “وما فيها. أن جدول الضرب ألف باء مادة الرياضيات أخذ حيّزاً كبيراً من مساحة التفكير لدي. وكان ذلك بعد أن أنهيت دراستي. ودخلت قسم الفلسفة في كلية الآداب.
سناك سوري – ناجي سعيد
ذلك أن النظام التعليمي السائد والذي يعتمد على الحفظ والتكرار نتاج التلقين والقمع حتى في مادة الرياضيات. أجبرنا أن نستخدم منطقة واحدة من دماغنا تعنى بتكرار ما تذكرناه من تلقين المدرّس وقد كان مدرس مادة الرياضيات. وأذكره تماماً يردد على مسامعنا عبارة (هيدا الجدول بدكن تحفظوه مثل “بسم الله الرحمن الرحيم”). وقد شكلت هذه العبارة حاجزاً نفسياً منعني أثناء تواجدي المدرسي لمدة اثنتي عشر عاماً من النقاش والسؤال:”لماذا 4 * 7=28؟”
ذكرت ال (4 * 7=28) لأنها تسببت لي آنذاك بمسطرتين على يدي الصغيرة الناعمة. على الرغم من أني كنت في عداد “جثث المتفوقين دراسياً” إلا أن” بلعة الريق” التي أخذتها أخّرت الجواب عن مسامع المدرس فعاجلني بهذه المكافأة.
إننّي الآن في مأزق. كيف أدرّس ابنتي جدول الضرب الذي طلب منها. وبعد مضي أكثر من خمسة وعشرين عاماً -غير دراسي- إذ يجب عليها أن تحفظ ذلك الجدول المشؤوم وبنفس الطريقة التي تسببت لي بعقاب نفسي أكثر منه جسدي. وكله بسبب “نشفان بالريق” نتيجة خوفي من المسطرة بيد المدرّس.
هل تعرف ابنتي أن الجدول هو ألف باء الحساب؟ وأن مادة الرياضيات هي بالأصل مادة فلسفية تعتمد على المنطق الرياضي الذي يعالج الكثير من الأمور العالقة في مجال الأحكام المنطقية؟ وهل تعرف أن التحليل النقدي وبشكل فلسفي يفضي بنا الى الأفكار التالية حول ماهية العمليات الحسابية (الضرب والقسمة والجمع والطرح):
في الضرب:
– يفرض “الصفر” خواءه من القيمة العددية عند دخوله على كل الأرقام.
– يثبت ” الواحد” كمية كل عدد حين يدخل عليه.
– ينشر ” الإثنان ” خاصيته المزدوجة على كل رقم يدخل عليه.
– وتجعل الخمسة من جدولها أرقاماً تقفز كل خمس خطوات مرة واحدة.
في القسمة:
يعجز الصفر العملية بأكملها.
– ويكرر الواحد قيمة الأعداد.
– وتقسم الإثنان الأعداد قسمين متساويين.
وفي الجمع والطرح:
يفرض كل عدد إيقاعه بالإضافة والنقصان. إلاّ الصفر إضافةً ونقصان يتربع مستعرضًا جمهور الأعداد.
والكثير من المعلومات والمفاهيم تمر خلال ” مقاعدنا الدراسية “، دون مساحة تأمل. مع أن التامل دائماً يحتاج إلى “قعود” لفترة. حتى يتسنى للمرء تثبيت ما تعلمه. وهذه تربية قد يتخللها حكمًا ” بلعة ريق”…
اقرأ أيضاً: دمشق تتصدر مدن العالم ولكن … بغلاء العقارات