الدولة المدنية – ناجي سعيد
نظام الدولة المدنيّة هو نظام جامع للطوائف المكوّنة لدولة واحدة
حين يسمع معظم الناس مصطلح “زواج مدني”، يقولون فورًا ” هيدي دعارة”! فقد اعتادوا على أن الزواج لا يتمّ إلاّ من خلال خيمة الدين. فالثقافة الموروثة المدعومة حتمًا من التلفاز، النافذة الإجباريّة التي تفرض نفسها على كلّ عائلة دون رقابة، تكرّس في العقول بأن الزواج يحصل إما عند المأذون (الشيخ) او في الكنيسة (الخوري).
سناك سوري-ناجي سعيد
الحقيقة التي يغفلها الناس، هي بأنّ شرط الزواج هو القبول والوفاق بين الطرفين. فالمتحابّان، يكفيهما أن يتوافقا على الزواج ويلتزما به. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فالزواج المدني هو قانون مُدرج في نظام الدولة المدنية. والدولة المدنية، هي “جرّة” يحلو لكلّ طائفة أن تُركّب أُذنها أينما يناسبها. وقصدت أن أعطي مثال الزواج المدني، لأظهر كيف كفّر رجال الدين مُرتكبيه دون وجه حقّ.
فهذا الزواج المدني “الحقّ” يساهم في إغلاق دكاكين رجال الدين الذين يقتضوا أجرًا مادّيًا على “كتب الكتاب”. وما صدّقه الناس حول الشرط الثاني الذي لا أعلم من أشاعه، وهو “الإشهار”، واعتقد الناس بأنّه شرط لازم. وهو غير ذلك، ولكنّه أتى من نقص وسلوك عنفي من عامّة الناس، وهو “الثرثرة”! واهتمام العامّة بما يقول الناس عن الزوجين الذين اختارا ان يلتزما بحياة مشتركة.
وهذا المدخل يكفي لمعرفة قصور الناس بمعرفة ماهيّة الدولة المدنيّة. فنظام الدولة المدنيّة هو نظام جامع للطوائف المكوّنة لدولة واحدة، لبنان خير مثال على ذلك. وكما يقول زياد الرحباني: كلّ طايفة طايفة عالتانية!! الصراع الدائم بين الطائفة والدولة المدنيّة، هو صراع بين العام والخاص. فالطائفة تُمثّل الدين، والدين هو مساحة خاصّة يحفظها كلّ فرد بقلبه. وكما يقول المثل الشعبي” كلّ مين عا دينو الله بيعينو”! ومن ظلمه الحكم الشرعي، كالأمّهات اللواتي حرمهنّ الشرع من حضانة أطفالهنّ، هنّ اللواتي اقتنعن بالحكم المدني. مع العلم بأن الدين لا يظلم، وهو وُجد لخير ومصلحة الناس جميعًا دون تفريق بين جنسٍ وجنسيّة!.
اقرأ أيضاً: تصاعد حملات المطالبة بإقرار الزواج المدني في سوريا
مفهوم المواطنة هو دستور الدولة المدنية، حيث يتساوى الناس بكلّ شيء. فصديقتي اللبنانية التي تزوّجت من شخص سوري، حرمتها السياسة الطائفيّة من منح الجنسيّة اللبنانية لأولادها. وذلك لحسابات انتخابية، كي لا يفوق عدد الطائفة المعيّنة التي تنتخب أشخاصًا لا يرغبهم الطائفي الذي منع تشريع قانون منح الأم اللبنانية الجنسية لأطفالها السوريين.
كما حُرم ابن شقيقتي الفلسطيني الجنسيّة، من تمثيل لبنان في إلقاء كلمة في مهرجان عالمي، فبعد أن تفوّق أبن أختي في مسابقة أقامتها الجامعة اللبنانية لترشيح مُمثّل عن لبنان، حُرم من تمثيل لبنان في الصين، مع العلم بأنه وُلد وترعرع في لبنان! في الدولة المدنية، يتساوى أبناء لبنان، المُقيمين والمولودين في أرضه، ويجب أن ينالوا الحقوق المدنيّة كافّةً.
مع العلم بأن تلك الطائفيّة البغيضة طلبت من عائلة صهري الفلسطينية المحسوبة على فلسطينيين تركوا فلسطين في العام 1976، ويقال لهم فلسطينييّ ال76، بأن يمنحوا الجنسيّة اللبنانية شرط تغيير طائفتهم، لإنزال الأصوات الانتخابية في صناديق طائفة معيّنة، وذلك لفرض ما يُسمّى بالتوازن..الطائفي!.
مع أن التوازن الحقيقي لا يكون أبدًا بسيطرة الطوائف، فالدولة المدنيّة لجميع الطوائف ولا تراهم إلاّ بعين محايدة مدنية مواطنية، فنظرية الرسول الحكيمة: من كلّ رجلٍ قبيلة، لا تصلح إلاّ في ظل نظام قَبَلي طائفي، أمّا في الدولة المدنية فلكلّ مواطن حقيقة. حقيقة تُميّز الفاسد من غير الفاسد، والسارق من غير السارق، والصالح من الطالح.
اقرأ أيضاً: فصل الدين عن الدولة وحماية الحريات قوانين ينتظرها سوريون