الخيط المتصل… محطات من التاريخ السوري المصري _ حسان يونس
الخيط المتصل من التاريخ السياسي المشترك بين مصر وسورية
سناك سوري- حسان يونس
أُدخلت سوريا في دائرة النفوذ المصري في عهد الفرعون (أحمس من الأسرة الثامنة عشرة)، مؤسس المملكة المصرية الحديثة (1546 ق.م)، كان أحمس هو الذي طرد الملوك الرعاة (الهيكسوس) من مصر، ولحق بهم إلى سوريا التي أتوا منها، وحمل بلاده على اتباع سياسة الفتوح والتوسع، ثم حكم الفرعون (تحوتمس الأول) البلاد كلها حوالي عام (1520) قبل الميلاد بدون مقاومة كبرى ، ووصل إلى نهر الفرات الأعلى .
في العام (1458) ق.م ذكر الفرعون المصري (تحوتمس الثالث) في حولياته أنه استطاع أن يهزم جيش مدينة مجيدو (بين مدينتي جنين وحيفا في فلسطين)، فكانت معركة مجيدو واحدة من سبعة عشرة حملة وجهها تحوتمس الثالث إلى سورية، كما كانت فاتحة لتأسيس النفوذ المصري الدائم في سورية، الذي واجه مقاومة من قبل تحالف ممالك -مدن كنعانية بقيادة مملكة قادش (قرب حمص) ومملكة مجيدو في الجنوب بالتحالف مع إمبراطورية (ميتاني) شمال سورية، وفقا ل”فراس السواح” في كتابه “تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود”.
منذاك، دخل المصريون في صراع متواصل مع الإمبراطوريات الميتانية والحثية شمال سورية والآشورية والبابلية شرق سوريا لتثبيت أقدامهم على البر السوري، وشاب ذلك الصراع معاهدات سلام توثقت من خلال علاقات المصاهرة كما جرى في عهد تحوتمس الرابع ( 1425-1405) ق.م، الذي تزوج من ابنة الملك الميتاني “ماتمويا”، والتي أنجبت له الفرعون أمنحوتب الثالث، والد اخناتون الملك الشهير بإصلاحاته الدينية.
اقرأ أيضاً: الاحتلال والتطبيع.. البقاء المرهون بالتناقضات- حسان يونس
بعد زوال نفوذ الميتانيين عن سورية لصالح الحثيين، اشتهر الصراع المصري الحثي على سورية في المعركة التاريخية بين فرعون مصر رمسيس الثانى والحثيين حول مدينة قادش قرب حمص، (1258) ق.م، والتي نتج عنها معاهدة السلام الشهيرة، وان لم تكن الأولى من نوعها كما يروّج البعض .
في القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق.م واجه المصريون والحثيون والممالك الكنعانية في سورية غزوات “شعوب البحر”، القادمين من الجزر اليونانية ومن الأناضول، والذين أحدثوا دماراً كبيراً.
اقرأ أيضاً: سوريا التاريخية.. التلاقي مع مصر في مواجهة الرومان والعثمانيين
بعد الألف الأول قبل الميلاد ساد الآشوريون على مسرح الشرق الأوسط، منذ بداية حكم آدد نراري الثاني عام (911 ق.م وحتى نهاية حكم الأشوريين عام ( 612) ق.م، عندما سقطت نينوى على يد التحالف الميدي، الكلداني، واقتصر الدور المصر (الذي ضعف كثيرا) على دعم التمردات التي كانت تقوم بها بعض الممالك والدويلات السورية بين الحين والآخر ضد الآشوريين ومن ثم البابليين.
مع اندحار إمبراطورية أشور (٦٣٨)ق.م ، حاوَلَت مصر استرداد نفوذها، ولكن قوات نبوخذ نصر، ملك بابل، انتصرت في العام (605) ق.م. على تحالف المصريين والأشوريين في معركة كركميش حيث قضي على الآشوريين نهائيا وطردت جيوش المصريين حتى مصر .
اقرأ أيضاً: ثلاث تحولات كبرى في تاريخ سوريا – حسان يونس
وفي النزاع بين زنوبيا وروما انضمت مصر بداية إلى تدمر (269-270)م، قبل أن يستعيدها الرومان.
أما خلال العهد الإسلامي فقد عاد النزاع بين القاهرة وبغداد على سورية، وامتد النفوذ المصري (الفاطمي) على سورية منذ 969م حتى سقوط الدولة الفاطمية في مصر 1171م، واستمر مع نشوء الدولة الأيوبية على يد صلاح الدين الأيوبي.
وفي العصر الحديث فتح السوريون أبواب مدنهم أمام قوات ابراهيم باشا، في صراعه مع العثمانيين، قبل أن تدفعهم سوء الإدارة المصرية إلى التمرد والانقلاب على الحكم المصري، وهو مشهد تكرّر، بشكل شبيه إلى حد بعيد في تجربة الوحدة بين سورية ومصر (1958-1961)م.
هذا الخيط المتصل من التاريخ السياسي المشترك بين مصر وسورية، أعيدت حياكته بشراكة الخيار والمواجهة في حرب تشرين 1973م، وبعيداً عن الملابسات التي طالت تلك الحرب، فهي ثمرة تفاعل مصري- سوري طويل الأمد، وهو تفاعل عميق يتصل بميثيولوجيا مجيء “إيزيس” إلى “جبيل” للبحث عن أشلاء زوجها اوزيريس، كما يتصل بانتظار الجبيليين لرسو عروق البردى المصرية على شطآنهم كي يبدؤوا احتفالاتهم بقيامة أدونيس، وبمجيء الكهنة المصريين إلى السواحل السورية للحصول على خشب الأرز الخاص ببناء معابد الهتهم.
اقرأ أيضاً: سوريا والعمق المتوسطي – حسان يونس