الجزء الثاني من المسلسل: عودة داعش – أيهم محمود
لا يمكن تقسيم العالم إلى ديكتاتوريات جيدة نحبها وديكتاتوريات سيئة نكرهها
تستندُ بنية تنظيم داعش على جزءٍ أصيلٍ وصُلبٍ من ثقافة المنطقة، لم يتشكل التنظيم من انقطاعٍ تاريخي بل من استمرارية ظهوره عبر الزمن في أشكال تختلف في الظاهر وتتفق في الجوهر والأهداف، ليست التنظيمات الأصولية المتطرفة -على اختلاف أديانها ومذاهبها- صناعة خارجية، بل هي الضغط المدمر المرافق لانسداد شرايين المجتمع، هو العفن المنطقي والطبيعي المرافق للانغلاق التام وعدم القدرة على التجدد.
سناك سوري-أيهم محمود
داعش ظاهرة طبيعية تعرفها كل أشكال الحياة في الكوكب، تعرفها الأجسام التي تنهار مناعتها الداخلية ليصبح الجسد بعدها في حالة عطالةٍ وركود، في حالةٍ من فقدان الرغبة في إبداء المزيد من المقاومة للمرضات، فهو يسعى إلى الانتحار السريع تجنباً لآلام الموت البطيء، داعش وغيرها صيغةُ انتحارٍ سريع لكائنٍ لم يعد يرغب في الحياة.
حلمت شعوب المنطقة بالحد الأدنى من التغيير، بالحد الأدنى من الاحتفاظ بخيرات بلدانها بعيداً عن آليات النهب العالمي المنظم لخيراتها، بعضها حلم بالحد الأدنى من أساسيات الحياة، الربيع العربي المشؤوم كما يراه البعض لم يكن سوى انفجار أولي لدمامل القيح التي كُبتت طويلاً، أنتج الانفجار في بعض الحالات أقل الخسائر الممكنة لكنه في حالاتٍ مريرةٍ أخرى فتح الفرصة لظهور التهاباتٍ خطيرةٍ لاحقة بعضها قاتل ومهدد للحياة، فما كان رد أنظمة المنطقة أمام هذا الإنذار الخطير المهدد للحياة والاستقرار؟:
حاولوا وما زالوا يحاولون حتى الآن إعادة ترتيب الحياة في المنطقة ليعود الزمن إلى لحظة ما قبل الانفجار، الهدف إرسال رسالة واضحة للجميع: “لا يوجد أي تغيير ممكن على الإطلاق في هذه المنطقة”.
لم تكن الدول الغربية صادقة في دعمها المُعلن لتطوير بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية في المنطقة، خدعتْ منظومة النهب المسيطرة في مجتمعاتهم بعض النخب الحالمة بتغييرٍ عالمي ممكن، الصورة أشبه باختيار عينة من فئران التجارب لاختبار دواء جديد عليها، لا يمكن تقسيم العالم إلى ديكتاتوريات جيدة نحبها وديكتاتوريات سيئة نكرهها، لذلك تم إجهاض التغيير المحتمل عبر التنسيق التام غير المعلن بين جميع القوى النافذة في المجتمعات المحلية، اليوم أنتْ وأنا غداً، أكرهك هذا صحيح لكن أحب نفسي أكثر، هذا هو ملخص حال الأخوة الأعداء.
لا يمكن تقسيم العالم إلى ديكتاتوريات جيدة نحبها وديكتاتوريات سيئة نكرهها أيهم محمود
في مرحلة لاحقة حاولت القوى المجتمعية السائدة في المنطقة، إقناع القوى العالمية التي تنصح بضرورة التغيير بخطأ تحليلها للواقع سواء باستخدام القوة الناعمة أو باستخدام التهديد بتدفق اللاجئين وتضرر المصالح الاقتصادية، بعض التصريحات كان ابتزازاً مكشوفاً لدولٍ غريية تكذب على نفسها في مسألة التزامها بالحد الأخلاقي الأدنى للتغيير المطلوب في العالم، قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق!.
اقرأ أيضاً: تاريخنا الذي يتغنى به البعض يشبه واقعنا اليوم – أيهم محمود
لم يتوقف الأمر على لغة المصالح بل تعداه إلى الانجذاب العاطفي نحو نماذج الحكم المختلفة في الأنظمة الديكتاتورية وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بوضوح خلال فترة ولايته بل ذهب أبعد من ذلك في محاولة تطبيق وصفة من الوصفات الناجحة للسيطرة المطلقة على الحكم، العالم مترابط بشدة أكثر بكثير مما يعتقد معظم الناس، زمن الثورات المحلية انتهى، لم يعد بالإمكان إحداث تغيير معزول جغرافياً وهذا ما أثبته الربيع العربي بوضوح.
حرارة الأرض ترتفع وستتأثر جميع شعوب العالم بسلوك قسمٍ من البشر، لا أحد سينجو على الإطلاق من هذه المشكلة العالمية، إن كانت الأزمات عامة على مستوى الكرة الأرضية فالحلول أيضاً هي كذلك، محاولة إحداث تغييرٍ ما في نقاط موضعية ستؤدي حتماً إلى تكرار مشهد اتفاق القوى الحاكمة في المنطقة العربية وتعاونها مع بعض القوى الاقليمية والعالمية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
الأزمة مستمرة إذاً، هذه نتيجة منطقية، النتيجةُ المنطقيةُ الأخرى هي استمرار العوامل التي تدفع المجتمعات البشرية نحو الاتجاهات الانتحارية، لم تعد المنطقة العربية وحدها غارقةً في مأزق الأزمات التي تُعالج بالمسكنات وبالتخدير فقط بل انتقلت الأزمة حالياً إلى معظم أرجاء العالم، مازالت القوى الحاكمة تتمسك بالاختباء وراء فيروس كورونا وأثره المدمر على اقتصادات الدول، في الواقع الصورة الحقيقية معكوسة، الأزمات سابقة على وجود الفايروس ولا نعلم إلى متى سيتم استغلال هذا الكائن الصغير قبل انفضاح كل المستور، فالقصة كلها في مكان آخر تماماً.
نقترب من عصر نضوب النفط أو على الأقل من عصر عدم القدرة على استخدام ما تبقى منه بسبب النتائج الكارثية التي وصل إليها مناخ الكوكب، لم يعد الكوكب قادراً على إعالة الموجودين على سطحه، لا توجد حلول ممكنة لهذه الأزمة في ضوء العلاقات الدولية السائدة الآن، لقد أثبت البشر أنهم لم يبتعدوا كثيراً عن سلوك إخوتهم في المملكة الحيوانية في التكاثر غير المنضبط، الأزمات في توالد مستمر وكذلك أيضاً الميول الانتحارية، داعشٌ نسختنا منها وفي المستقبل هناك ما يشبه داعش في كل مكان وفي كل ثقافة على كوكب الأرض.
آسف إن لم أستطع تجميل هذه المقالة أكثر.
اقرأ أيضاً: قريباً السيارات الثمينة في العالم إلى الصهر – أيهم محمود