التنمية.. إشكالية تراكم – مازن بلال
التراكم الذي يحدث هو في قطاع يُنتج دورات تأهيل وتدريب، ويقدم لسوق العمل مدربين وليس آليات مبتكرة لعمليات التنمية بشكل عام
سناك سوري – مازن بلال
تتشكل مسألة التنمية دون مساحة ثقافية واضحة، فهي تبدو ضمن سياقين أساسيين: الأول مرتبط بالأداء الحكومي الذي يسعى لرسم خطط طموحة، ولكنها في نفس الوقت تعتمد على خلق نمو اقتصادي يمكن الاستناد إليه لتنفيذ عمليات تنمية متفرقة، والثاني يعمل وفق إطار المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية دوليا وإقليميا، وفي كلا السياقين هناك أزمة “تراكم” لم يستطع أي طرف تحقيقها.
ضمن الإطار الحكومي هناك حدود لعمليات التنمية يصعب تجاوزها لأنها تتعامل مع مفاهيم نمطية، ومع ثقافة إدارية إضافة لكم من القوانين وتعديلاتها تجعل من التنمية آلية إدارية فقط، فالحيوية التي تتمتع بها هذه العملية غير ممكنة في ظل مؤسسات نشأت لتلبية مصالح اجتماعية، وليس لمتابعة تطوير هذه المصالح وارتقائها، وهذا الأمر ليس انتقاصا لأي أداء حكومي، فالحدود التي يمكن أن يتحرك بها جهاز الدولة لا يمكن أن يكتسب مرونة القطاع الخاص على سبيل المثال، وإلا تحول الجهاز الرسمي إلى شكل لا يستطيع معه التعبير بشكل عادل عن كافة المصالح الاجتماعية، في وقت تحتاج فيه كافة عمليات التنمية إلى أدوات متغيرة بشكل دائم لتستطيع قياس العوامل المتبدلة محليا ودوليا، ومواءمة الأدوات مع كافة التطورات.
الجانب الآخر هو سياق المنظمات الدولية بالدرجة الأولى التي تملك برامج محددة تم تطويرها محليا ولكنها تخضع لمقاييس غريبة عن الثقافتين الإدارية والاجتماعية، فالبرامج الدولية هي مساحة اختبار إن صح تعبير تعتمد مرجعيات معتمدة من قبل المؤسسات المالية الدولية، فهذه البرامج تساعد المجتمعات المحلية أحيانا والمؤسسات الحكومية أيضا على الاستفادة من أدوات الواقع، فليس من وظائفها مراقبة التراكم الذي يحدث نتيجة مجمل عمليات التنمية القائمة.
اقرأ أيضاً التنافس.. مساحة المجتمع – مازن بلال
عمليا فإن اعتماد سياقات مختلفة للتنمية يساعد على إيجاد مساحات جديدة، ولكنه وفق الظرف القائم فإن ما يحدث هو إنتاج نخب إدارية فقط تكرر نفس الدائرة، وتنتج نخبا جديدة سرعان ما تدخل في هذه الدائرة المغلقة، فالتراكم الذي يحدث هو في قطاع يُنتج دورات تأهيل وتدريب، ويقدم لسوق العمل مدربين وليس آليات مبتكرة لعمليات التنمية بشكل عام، فالحلقة القادرة على ربط التأهيل بميدان الواقع موجود في مكان آخر، والمستفيد منها هو القطاع الخاص بمختلف مجالاته، ورغم أن هذا الأمر يرتد في النهاية على المجتمع، لكنه لن يشكل استثمارا اجتماعيا بل تأكيدا على الموقع الذي يمتلكه القطاع الخاص في السوق العمل.
يطرح التطور الاعتيادي في سورية قيام المجتمع المدني في استثمار “الحلقة” المفقودة ضمن سياقات عملية تنمية، لكن هذا المجتمع يفتقد للمؤسسات والموارد ولعنصر المشاركة، وهو يبحث عن دوره التنموي ضمن الهامش البعيد المتاح، فالتنمية “كائن حيوي” يحتاج لشراكة اجتماعية قبل أن يسير في استراتيجية وخطط، وسواء كانت البرامج حكومية أو ضمن إطار المؤسسات الدولية (UNDP على سبيل المثال) فإن الوصول إلى تراكم تنموي سيمر حُكما عبر شراكة اجتماعية.
اقرأ أيضاً قضايا عابرة.. الأزمة السورية لا تحتاج لحلول بل لخلق -مازن بلال