التنمر على الإصلاحيين – بلال سليطين
الإصلاحيون في سوريا... روح اقعد آخر مقعد، وقف عالحيط وارفع إيديك ورجلك
“روح اقعد آخر مقعد. وقف عالحيط وارفع إيديك ورجلك. اطلع برا الشعبة”. هكذا كانت عاملت مدارسنا الطلاب الكسالي والمشاغبين. بحيث تقوم بإقصائهم ونبذهم ومعاقبتهم. لكن عندما كبر هؤلاء. وجدهم مدرسوهم وقد تصدروا العمل بالشأن العام في البلاد. حتى ظن المواطن أن هذا شرط للعمل العام.
سناك سوري – بلال سليطين
لا تنتهي حدود هذا المشهد عند باب المدرسة. بل يمتد إلى مؤسسات الدولة والعمل العام بصورة موجعة وتدميرية. بحيث تتم معاملة الإصلاحيين في هذه البلاد كمعاملة الكسالى في المدرسة. فيتم نقلهم إلى الأرشيف في مؤسسات الدولة مثلاً. وينبذون في الحياة العامة. ويبعدون حتى يختاروا الذهاب إلى الريف لزراعة الأراضي حتى لايبقوا بلا عمل. أو الهجرة. وعندما يهاجروا يتم تخوينهم. أو البُكاء على الخبرات المهاجرة. (يعني لا منخليهم يشتغلوا ولا بيخلصوا مننا إذا راحوا).
يمكن وصف هذا الواقع بـ “التنمر على الإصلاحيين”. وهو يتجلى بصور عديدة في حياتنا العامة. وهناك العديد من المشاهد التي توضحه. كما أن هذا التنمُر مُتغير من حيث أدواته في كل مرحلة حتى وصل أحياناً إلى وصف “الإصلاحيين” بالمعارضة. في وقت يشهد فيه مفهوم “المعارضة” أزمة تعريف. ويُربط بِحمَلة سلاح وفصائل تكفيرية إلخ.. ما يضع هؤلاء الإصلاحيين بخطر شديد حتى على حياتهم.
اقرأ أيضاً: مجلس محافظة دمشق يرفع أجور “كل شيء” تقريباً خلال اجتماعه
وضحايا هذا التنمر كُثر. غالبيتهم ينطلقون من خلفية “تقنية” أو “أكاديمية” أو من “تجارب” أو “خبرة” أو “تحليل للواقع” بتجرد. أو من خلفية “المجتمع المدني والنشاط المدني”. وهم يعيشون هذه الحالة من مرحلة ماقبل 2011 وإن كانت بصورة غير ظاهرة للعموم. لغياب وسائل التعبير العلنية “حينها”. والمتنمرون ليسوا مدراء فقط. وإنما أجهزة معينة متمنعة تنظر بتوجس وريبة لكل رأي مختلف حتى ولو كان رأياً تقنياً.
يقول عالم الإدارة “بيتر دراكر” مامفاده :«إن القائد الناجح يجمع من حوله القادة. والقائد الفاشل يجمع من حوله الأتباع» وهو يتحدث هنا تحديداً عن القائد الإداري وهو مفهوم “إداري محض”. كلام “دراكر” ربما يفسر سبب تنمر المدراء وغير المدراء على الإصلاحيين ويوضح أسبابه في مؤسسات الدولة.
اقرأ أيضاً صناعة الوهم الحرب مستمرة – بلال سليطين
أبشع مافي هذا التنمر. هو ذاك الذي يأتي من ضحايا الفشل الحكومي. أو الفشل بالشأن العام. أي “المواطنين” أنفسهم الذين يعانون من صعوبات في المعيشة ويُدَهوِرُ الفساد حياتهم وووإلخ. ومع ذلك تجدهم ينتقدون فلان من الناس لأنهم “بعلق كثير”. ويصفونه بأنه “حامل السلم بالعرض”. وكأن الوضع عال العال. والمشكلة بأولئك الذين يطرحون أفكاراً مختلفة. أو يسعون لإجراء إصلاحات على صعيد الحوكمة والإدارة والآليات..إلخ. حتى يضطر داعموا الإصلاح (على قلتهم) للقول في نفسهم: «منيح هالإصلاحي مابيحكي عن الإصلاح السياسي كانوا حطوه على سكة حلب».
يَشعُر الإصلاحيون في هذه البلاد بِعَجزٍ وضعف. ويُواجَهونَ بِتَمنُّع بعضه “سلطوي” والآخر “مجتمعي” لدرجة يجعلك هذا الواقع تُشفق عليهم وعلى حالهم. لكنك في الوقت ذاته لاتستطيع إلا أن تحترم “استمرارهم” ورغبتهم في طرح “الإصلاح” رغم كل مخاطر طرحهم…. هؤلاء الإصلاحيين ليسوا إلا جزءاً بسيطة من مئات وآلاف الموارد التي يتم وأدُها في هذه البلاد التي تحتاج لكل مورد مهما صغر حتى تنهض من واقعها المتأزم إلى واقع أفضل “ولو بقليل”.