الرئيسيةشباب ومجتمع

التعلّق المرضي لدى العُشَّاق والمراهقين في سوريا.. معاناة وأذية جسدية

طبيب نفسي: التعلّق المفرط قد يؤدي إلى الانتحار أو محاولة إيذاء النفس

أقدم “طارق 35 عاماً” على جرح جسده بشفرة حادة حتى سالت الدماء منه وذلك بعدما تركته حبيبته. التي على ما يبدو أن علاقته بها تطورت حد “التعلق المرضي” وهي حالة تصيب كثير من الشباب والمراهقين في سوريا.

سناك سوري_سدرة نجم

كان “طارق” مراهقاً عندما وقعت الحادثة التي تركت آثارها على جسده على شكل ندوب تذكره بأنه أساء التصرف حينها. لكنه يبرر ذلك بالقول لـ”سناك سوري”، أنه لم يكن يمتلك محيطاً مساعداً يوجهه للتعامل مع ما وصل له بعد فراق حبيبته.

حوادث كثيرة وقع بها الشبان والشابات المراهقون والناضجون خلال قصص ارتباط وتعلق عاشوها في حياتهم وحصل فيها فراق. معظم هذه الحالات كانت لقصص حب بين الجنسين بالإضافة لتعلق بالأمهات والآباء والأصدقاء..إلخ من أشكال التعلق المرضي المختلفة. لكن بحسب الاستطلاع الذي أجريناه فإن أشد الحالات أذية هي التي وقعت عند المراهقين/ات.

فهناك من انقطعت عن تناول الطعام. ومن حاولت الانتحار. ومن أصيب باكتئاب ومن أقدم على أذية نفسه جسدياً وهناك من حاول اختطاف حبيبته لأنها تركته، أو حتى قتلها..إلخ من القصص التي وقعت في مجتمعاتنا وبمناطق مختلفة من البلاد.

يؤدي التعلق المفرط إلى تفكير الفرد بالانتحار أو محاولة إيذاء نفسه. الطبيب النفسي أنس الدالي

“محمد” شاب سوري عمره 24 عاماً حالياً أصيب بصدمة شديدة ترتقي للتعلق المرضي بحبيبته التي توفيت وتوقفت حياته معها وفق ما يقول في حديثه لـ سناك سوري. ويضيف:«كنت أسعى وأطمح للنجاح من أجلها. ولكن بعد رحيلها ما عدت قادراً على المتابعة. رسبت في جامعتي وتراجعت مواهبي وتوقف شغفي واندفاعي للحياة، فالشخص الذي كنت أدرس لأجل أن يفتخر بي. ذهب وتركني وحيداً هنا».

اكتئاب

أما “فيليب 25 عاماً” (اسم مستعار) فقد مرّ بتجربة حب أدخلته بحالة من الاكتئاب وجعلته طريح الفراش يعاني من الأمراض. حيث قال لـ سناك سوري أنه تعرّف إلى فتاة قبل 3 سنوات وانسجما معاً. لكنه لم يعترف لها بمشاعره خوفاً من خسارتها، وذلك بسبب فشل تجاربه السابقة.

يضيف الشاب «بعد فترة وجيزة انقطعت أخبارها عني دون سابق إنذار ودخلتُ في حالة من الحزن والاكتئاب وعانيتُ كثيراً على المستوى الصحي والنفسي». لافتا أنه عانى أمراضا نجح بالتعافي منها عبر تقوية نفسه بتغيير طريقة تفكيره نحو الإيجاب.

التعلّق المرضي أصاب “مها 23 عاماً” (اسم مستعار) إثر ارتباطها بشاب في عمرها قبل عامين. لكن فشل التجربة جعلها تعارض لاحقاً فكرة الحب والارتباط.

تقول “مها” لـ سناك سوري: «تعرّفت على طالب جامعي عبر الانترنت والتقينا لاحقاً. وانسجمنا سوية قرابة السنة لكننا لم نتبادل البوح بمشاعرنا لبعضنا. ثم بدأت التعلق به بازدياد لدرجة أنني كنت أمرض إذا غاب عني».

أما “ورد 28 عاماً” فله حكاية مختلفة. حيث يروي لـ سناك سوري أن فتاة دخلت حياته وتعلّق بها إلى حد بعيد وتحدى الظروف لأجلها. لكنها تغيّرت تجاهه لاحقاً وتلقّى إثر ذلك أذىً كبيراً منها على كافة الأصعدة. ورغم ذلك فهو إلى الآن غير قادر على الابتعاد أو الانفصال عنها.

متى يصبح التعلق  بالحبيب مرضاً؟

تنتشر حالات التعلق المرضي في  فترة المراهقة بنسبة أكبر من باقي الأعمار حسب الطبيب النفسي “أنس الدالي”.  ويعود السبب الرئيسي وراء ذلك للتغيرات البيولوجية والانفعالية والهرمونية التي تحصل في الجسم. فيما يؤدي التعلق المفرط إلى تفكير الفرد بالانتحار أو محاولة إيذاء نفسه.

ويقول “الدالي” لـ سناك سوري «يعاني الفرد خصوصاً في سن المراهقة من حالة تأجج مشاعر وهي حالة انفعالية. تضعه بين خيارات محدودة الأبيض والأسود. كأن يحب كثيراً أو يكره كثيراً وتكون العلاقات هنا متبدلة غير ثابتة».

أعراض التعلق المرضي

يشير الطبيب إلى أن أعراض التعلق المرضي تختلف من شخص لآخر. إذ يشمل غالبها اللجوء إلى شخص معين باعتباره الوحيد الذي يهتم لأمرك. وعدم الاهتمام بنفسك مقابل الآخرين، والرغبة في التحكم بالموقف من طرف واحد. وإلقاء اللوم على شريك الحياة بشكل دائم، والخوف من ترك الآخرين رغم المشاعر السلبية التي يمنحوك إياها.

ويعرّف “الدالي” التعلق المرضي بأنه حالة تُصيب بعض الأشخاص مرتبطة بالحياة اليومية وظروف النشأة ونمط التصرفات والسلوكيات المتبّعة مع الأشخاص المحيطين. كالتعلق بأحد الأصدقاء بشدة أو التعلق بشخص في الجانب العاطفي والحب.

تنتشر حالات التعلق المرضي في  فترة المراهقة بنسبة أكبر من باقي الأعمار. الطبيب النفسي أنس الدالي

أسباب التعلق المرضي

وتتعدد أسباب التعلق المرضي للمراهقين وتشمل المشكلات الانفعالية التي تنشأ نتيجة التعرّض لمواقف مؤثرة في الحياة، كالخلافات الأُسرية التي يواجهها الأبناء في عوائلهم. مما يدفعهم إلى اللجوء لأول شخص يجدون فيه بصيص حب تجاههم، و عدم تفريغ المشاعر وكبتها وكتمانها.

في حين. يعاني الفرد المُصاب بالتعلق المرضي من اضطرابات نفسية وجسدية تتمثل في نقصان معدل التركيز. وعدم القدرة على إنجاز المهام بالكفاءة المطلوبة وارتفاع مستوى التوّقع والذي يُشكل خطراً كبيراً في علاقة الفرد مع الآخرين.

نصائح حول التعلق المرضي

ينصح “الدالي” الأشخاص الذين يعانون من تعلق عاطفي بالبحث عن مساحة آمنة مثل صديق، صديقة، أخ، أخت وغيرهم .و التركيز على التفريغ الانفعالي للمحيط وعدم كبت أي شعور عاطفي. مع التركيز على نشاط بدني ثابت لما له من أثر في كسر دارة التفكير المستمرة عن الشخص الآخر.

وفي بعض الحالات الشديدة ينصح بطلب المشورة النفسية من مختص للاستعانة بتقنيات معينة تدعى” اليقظة الذهنية”. لتنظيم المشاعر التي تكون على شكل خطوات متدرجة و منظمة للحد من الأفكار السلبية و المشاعر المسيطرة.

هل عانيتم من تعلق عاطفي بشخص ما؟ كيف تخلصتم من تعلقكم وتفكيركم المفرط به؟

زر الذهاب إلى الأعلى