التعاون الدولي في سوريا…..طوق النجاة الذي لا نراه _ فراس سلمان
الضعف المؤسساتي يفوّت فرص الاستفادة من إمكانات التعاون الدولي
يتكرر بصورة دائمة في الأخبار الحديث عن الاتفاقيات الموقعة بين “سوريا” والدول الحليفة والصديقة. وغالباً ما يتم الحديث عن اتفاقيات سابقة عند زيارة مسؤولين رفيعي المستوى مع التأكيد على ضرورة تنفيذها. لدرجة أثارت ردود فعل وتعليقات من عديد من المراقبين حول أسباب تكرار هذه الظاهرة بين “سوريا” وأكثر من طرف.
سناك سوري _ فراس سلمان
كما تناقلت الأنباء تصريحات لأرفع المسؤولين السوريين يتمنون من خلالها على الجانب المقابل العمل بجدية لتنفيذ الاتفاقات. مما حدا بالمعلقين الاستنتاج بأن التأخر في التنفيذ سببه الدول الحليفة لأسباب سياسية تتعلق بتعقيدات الواقع السوري أساساً وبمصالح هذه الدول أيضاً.
ما هي آليات عمل التعاون الدولي في سوريا؟
تعتبر هيئة التخطيط والتعاون الدولي النافذة الرسمية بين “سوريا” والعالم الخارجي. والمرجعية المعتمدة في كل ما يتعلق بشؤون التعاون غير السياسية والأمنية والعسكرية. بالتنسيق مع وزارة الخارجية والجهات المعنية الأخرى. إضافة إلى مسؤوليتها عن علاقات “سوريا” مع المنظمات الدولية كمنظمات “الأمم المتحدة” والصليب الأحمر ومنظمات التنمية مثل منظمة جايكا اليابانية……الخ.
كما يرد في مهام الهيئة وفق ما نص عليه قانون رقم 1 لعام 2011, «أن الهيئة تدير ملفات المساعدات المالية والمعونات الفنية لتحقيق الانتفاع الأمثل منها, وتقترح خطط وبرامج التعاون الاقتصادي والفني والعلمي مع الجهات الخارجية بالتعاون مع الجهات السورية المعنية, وتمثل الحكومة في التفاوض مع الجهات المانحة كافة، وتقوم إبرام الاتفاقيات المتعلقة بتأمين المعونات الفنية والمالية لمختلف الجهات السورية, والتحضير لاجتماعات اللجان المشتركة العليا والوزارية بالتعاون مع الجهات السورية المعنية, وترؤس الجانب الفني ومتابعة التنفيذ وما ينتج عنها من قرارات ومشاريع وبرامج ورفع تقارير إلى رئيس مجلس الوزراء».
بالإضافة إلى قيام الهيئة بتمثيل “سوريا” في الهيئات والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية التي تتوافق أغراضها مع مهامها.
الهيئة تدير ملفات المساعدات المالية والمعونات الفنية لتحقيق الانتفاع الأمثل منها, وتقترح خطط وبرامج التعاون الاقتصادي والفني والعلمي مع الجهات الخارجية المرسوم رقم 1 لعام 2011
وللعلم. يقوم بهذه المهمات مديريات التعاون الدولي في الهيئة والتي يرأسها معاون رئيس الهيئة لشؤون التعاون الدولي. وتتألف من ثلاث مديريات للتعاون مع الدول حسب الموقع الجغرافي, ومديرية التعاون مع المنظمات الدولية.
التعاون الدولي بين الواقع والمأمول
يشكل إعداد ومتابعة اتفاقيات التعاون بمختلف أنواعها ودرجاتها ( معاهدة, اتفاقية, مذكرة تفاهم بروتوكول….الخ) بين “سوريا” ومختلف الأطراف الخارجية. أحد محاور عمل مديريات التعاون الدولي في الهيئة ولكن هناك جانب آخر غير التعاون على شكل علاقات وهو الاستفادة من المنح المقدمة من الأطراف الخارجية على شكل التدريب والتجهيزات والدراسات.
تعد الدراسات أهم أهداف الهيئة بشكل عام. سواء بما يتعلق بدراسة وتحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحديد مواطن الضعف والقوة، ومتابعة التطورات الإقليمية والدولية
حيث تعد المنح التدريبية من الأمور المعروفة والشائعة في الوزارات والإدارات العامة والتي تزودها الهيئة بالمنح التدريبية الخارجية المناسبة لعمل هذه الوزارات و مؤسساتها. لتقوم بترشيح المدراء والموظفين للسفر والتدرب وبالتالي الاستفادة من المنحة. وكذلك الأمر بالنسبة للمنح على شكل تجهيزات والتي تتوسط الهيئة فيها بين الوزارات والأطراف الخارجية لإمدادها بتجهيزات معينة تطلبها الوزارات ومؤسساتها.
الدراسات والتعاون الفني
تعد الدراسات أهم أهداف الهيئة بشكل عام. سواء بما يتعلق بدراسة وتحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحديد مواطن الضعف والقوة، ومتابعة التطورات الإقليمية والدولية. أو بما يتعلق بالدراسات المستقبلية حول مختلف القضايا للتنبؤ بتطورات الاقتصاد السوري.
حيث يوجد مديرية متخصصة بالدراسات والسياسات في الهيئة. كما أن عدداً من الاتفاقيات الموقعة مع الأطراف الخارجية تضمنت اتفاقات مع مراكز أبحاث نظراً للحاجة الماسة لسوريا لهذا النوع من العلاقات في ظل الأزمة. كما عبرت عن ذلك معاونة رئيس الهيئة للتعاون الدولي في تصريح صحفي.
القيادة السورية لديها فكرة واضحة عن أهمية الدراسات والتعاون الفني حيث تم ذكره أكثر من مرة في أهداف الهيئة. كما ورد في مرسوم إحداثها فقرة تقضي بإحداث صندوق تمويل الدراسات المتميزة واستخدام الخبرات
أما التعاون الفني فيهدف إلى تنمية الموارد البشرية القادرة فنياً على أداء دور إيجابي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويقدم التعاون الفني فرصة ممتازة للدول النامية لاكتساب التكنولوجيا والمعرفة والخبرة المتقدمة. إذ إن الحكومات ووكالاتها التنموية تقوم بتنفيذ برامج مختلفة من التعاون الفني تشمل برامج تدريب، وإيفاد الخبراء. وتقدم تعاوناً فنياً بدراسة المشاريع، والدراسات التنموية، كما أنه من الممكن طلب متطوعين للتعاون الخارجي.
ويبدو أن القيادة السورية لديها فكرة واضحة عن أهمية الدراسات والتعاون الفني حيث تم ذكره أكثر من مرة في أهداف الهيئة. كما ورد في مرسوم إحداثها فقرة تقضي بإحداث صندوق تمويل الدراسات المتميزة واستخدام الخبرات. حيث «يتولى الصندوق تقديم مبالغ دعم مخصصة لاستقدام الخبراء المحليين والخارجيين. من أصحاب الكفاءات العالية والتخصصية النوعية للاستفادة من خبراتهم ودراساتهم اللازمة للهيئة. وكذلك تقديم المكافآت المالية للعاملين لدى الهيئة أو الجهات العامة الأخرى لقاء الدراسات والأبحاث المتميزة التي يكلفهم بها رئيس الهيئة»
إمكانات كبيرة غير مستغلة
خلال دراستي التخصصية في المعهد الوطني للإدارة العامة (2009-2010). قمت وبإشراف مختصين محليين وأوروبيين بدراسة عدد من الملفات الهامة ومنها التعاون الدولي. حيث كان تقييم الخبراء منذ ذلك الوقت بأن “سوريا” تضيع الكثير من الفرص الهامة في هذا المجال. خاصة فيما يتعلق بالدراسات والتعاون الفني.
حيث تغيب لدينا بشكل عام الدراسات القطاعية وتحل محلها الحلول الجزئية والترقيعية. وعلى سبيل المثال موضوع المواصلات والذي تنحصر فيه الجهود على ضبط كمية الوقود بدون القيام بدراسة عملية فإن المواصلات بحد ذاتها يمكن من خلال تنظيمها إنشاء نظام فعال وموفر. وقس على ذلك في أغلب القطاعات.
قامت الهيئة منذ عدة سنوات بإعداد وتوزيع مذكرة توضيحية تتضمن المعلومات اللازمة للعاملين في أقسام التعاون الدولي في مختلف الجهات العامة. لكن ذلك لم يغير في الواقع شيئاً
وذكر لنا الخبراء أمثلة على الضعف المؤسساتي في هذا المجال . من بينها أن الوكالة الفرنسية للتنمية عرضت على “سوريا” القيام بالدراسة الفنية مجاناً للمرافق المتعلقة بقطاع النقل. والتي تعتبر فرصة كبيرة كون هذا النوع من الدراسات يكلف الملايين بالعملات الصعبة. وفعلاً قامت الوزارة بإرسال ملف يتضمن مخططات لإنشاء مطار بالحسكة. فجاء الرد بعد فترة من الجانب الفرنسي بأن المخططات المرسلة تتعلق بمخططات لصالة ركاب مطار. مع شرح للمخططات المطلوبة لدراسة البنى التحتية المدنية والميكانيكية والكهربائية وأنظمة الاتصال لمنشآت المطار المتعددة.
وللأسف فقد تذكرت هذا الأمر منذ عدة أشهر حين حضرت لقاءً على الفضائية السورية استعرضت فيه مسؤولة في التعاون الدولي الإمكانيات المتاحة. وعندما سألها مقدم البرنامج عن سبب عدم الاستفادة المثلى من هذه الإمكانات أجابت بأن الجهات العامة لا تطلب ذلك.
وللعلم فإن الهيئة قامت منذ عدة سنوات بإعداد وتوزيع مذكرة توضيحية تتضمن المعلومات اللازمة للعاملين في أقسام التعاون الدولي في مختلف الجهات العامة. لكن ذلك لم يغير في الواقع شيئاً, والمشكلة كما تبدو للمتابع تتعلق بالمستويات الإدارية العليا والحكومية التي تتحمل مسؤولية إدراك أهمية فرص التعاون الدولي. وهي تتحمل مسؤولية اتخاذ كافة الإجراءات في سبيل ذلك, بدل الاكتفاء بالتأكيد خلال اجتماعاتها على أهمية التعاون الدولي .
فإذا علمنا بأنه حتى الاتفاقيات التي تعقد مع المنظمات الدولية العاملة في “سوريا” مع كل الفوائد التي توفرها يتأخر تصديقها عدة أشهر مما يسبب اختصار أعمال هذه المنظمات. عند ذلك يتضح لنا بأن سبل إدراك أهمية التعاون الدولي وتفعيله بحاجة للبحث على أعلى المستويات.