يقول دوستويفسكي أنّ “التعوّد طبيعة ثانية للإنسان”. وقد أعجبتني هذه المقولة لتطابقها مع ما حدث معي أثناء طفولتي، وقد أخبرتني والدتي بهذه الحادثة. ففي طفولتي وبعد الفطام، بدأت فترة الرضاعة “بالقنينة”، أو كما يُقال لها بالعاميّة “ببرونة”.
سناك سوري-ناجي سعيد
ومن الطبيعي أن تفرض والدتي “فطرتها التربوية”على ابنها الرضيع، فقد حاولت تغيير “حلمة الببرونة” بعد أن طالها الاهتراء، وحين شعرت بقساوة “الحلمة” الجديدة. رفضتها! وحين لم أنصاع للوضعيّة الجديدة، أصرّت أمّي على التغيير الضروري، وعندها واجهت أمّي عنادي وإصراري بأن أمسكت الببرونة القديمة. ورمتها أمام عينيّ الطفوليتين إلى النهر. أروي هذه الحادثة، فقط لأؤكّد ما يقوله دوستويفسكي عن “التعوّد”. وهذا المدخل للمقالة اليوم عن موضوع “الإدمان”.
ويعرف الإدمان بأنه حاجة قوية -غير قابلة للسيطرة أو التحكم- إلى تناول مادة معينة مثل المخدرات أو الخمر، أو إلى القيام بسلوك ما مثل القمار أو ممارسة الجنس. يصبح أهم شيء في حياة المرء، ويؤثر على دراسته أو عمله أو حياته العائلية والزوجية.
وتعود أسبابه إلى جذور تربويّة. فالتربية السائدة هي من أوجدت ما يُسمّى بـ “المنطقة الآمنة” comfort zone وهذه المنطقة تعزّز مفهوم “التعوّد”، وهذا ما يُفضي إلى إدمان شيء ما. والذي يبدأ عندما يستعمل الشخص مادة معينة مثل الخمر للحصول على الاسترخاء والمتعة، كما ينطبق هذا على سلوكيات أخرى مثل القمار أو متابعة المواقع الإباحية. وعند بعض الأشخاص فإن هذه العملية تتكرر للحصول على شعور يعتبرونه “جميلا”، يرتبط بتلك المادة أو بذاك السلوك.
ومع حدوث تغيرات كيميائية في دماغ المدمن، يأخذ تعاطي هذه المواد وممارسة هذه الأنشطة نمطاً أكثر شدّة وتكرارًا، مما يقود إلى أضرار جسدية ونفسية. وشيئاً فشيئاً يبدأ الجسم والدماغ “بالتعوّد” على تلك المواد أو ذاك السلوك، ولا تعود نفس كمية المادة -مثل الخمر- أو الوقت الذي يقضيه في ممارسة السلوك. (كمشاهدة المواقع الإباحية على الإنترنت) كافياً للوصول إلى نفس المستوى من الإثارة والمتعة.
اقرأ أيضاً: بين المشاعر والتقاليد – ناجي سعيد
وتتضخّم عملية التعاطي بشكل طبيعي، لأنّ الكمّية المعتادة لا تعطي نفس الشعور، كما النيران كلّما أطعمناها تزيد جوعًا. وفي استجابة لهذا التراجع في مستوى المتعة بسبب تعوّد وتأقلم الدماغ على المادة أو السلوك الإدماني. يأخذ الشخص بتعاطي كمية أكبر من المادة أو ممارسة السلوك لساعات أطول، ويفقد السيطرة على الموضوع ويصبح غير قادر على التحكم في السلوك. وبحسب أحد المواقع العلميّة تعود أسباب الإدمان إلى:
- معاناة الشخص من أمراض نفسيّة مثل الاكتئاب.
- التعرض لسوء المعاملة أثناء فترة الطفولة.
- النشوء وسط مستوى مرتفع من التوتر.
- وجود مشكلة إدمان لدى أحد أفراد العائلة
- البطالة ووجود مخاوف مالية لدى الشخص.
وهناك أنواع الإدمان وفقا لخدمات الصحة الوطنية في المملكة المتحدة:
– إدمان المواد: ويشمل ذلك إدمان المخدرات مثل الكوكايين والماريغوانا، والخمر، كما أن التدخين واستعمال التبغ يعتبران نوعاً من الإدمان لأن النيكوتين له تأثير إدماني.
– الإدمان السلوكي: أو ما يمكن وصفه بالسلوك القهري الذي لا يستطيع الشخص مقاومته. مع الإشارة هنا إلى أن بعض الأطباء لا يعتبرون السلوك إدمانا لأنه لا يرتبط بتعاطي مواد. لكن في المقابل، يُعتقد أن التأثير المتكرر الذي يطلبه الشخص عبر القيام بالسلوك ناجم عن حدوث تغيرات كيميائية في الدماغ تشبه التي تحدث مع إدمان المواد.
ويشمل الإدمان السلوكي إدمان لعب القمار، وإدمان الجنس، ويأخذ الأخير صوراً عدة مثل ممارسة الجنس بشكل خارج عن السيطرة. أو إدمان المواد الإباحية مثل الصور والفيديوهات والمواقع الإلكترونية، أو الاستمناء، أو استعمال الدردشة أو زيارة المومسات.
كما أن من أنواع الإدمان السلوكي -وفقا للخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة- إدمان الحب. وفيه يعتمد الطرفُ المدمن على الدعم العاطفي والاستقرار الناجم من طرف العلاقة الآخر، وقد ينتج عنه سلوك يتسم بالهوس والنزعة للسيطرة. وعادة ما يعاني مدمنو الحب من مفهوم منخفض للذات. وأختم بأنّ العلاج الأمثل للإدمان..هو معرفة وتقدير الذات.