الإدارة المحلية في سوريا (2) .. التحول إلى اللامركزية الإدارية
هو تحول في منطق التفكير الحكومي ومنهجية التخطيط والتنفيذ على مختلف الأصعدة، وإعادة إنتاج لمؤسسات الدولة وآلية عملها وفق هذا المنطق الجديد.
سناك سوري – بشار مبارك
ليست اللامركزية الإدارية مجرد نقل لمجموعة من الصلاحيات والاختصاصات من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية وفق ما نص عليه القانون، هذا الأمر على أهميته ما زال خططاً وبرامج على الورق لم تجد طريقها للتنفيذ، فالخطوة الأولى التي يجب أنْ تتمْ، هي تغيير النظرة الحكومية الحالية تجاه المجالس المحلية وباقي مكونات منظومة الإدارة المحلية، والعمل بشكل جاد على معالجة نقاط الضعف الكبيرة لكل من هذه المكونات وإزالة كل المعوقات التي تمنع مساحات هذه المنظومة من التشكل والترابط فيما بينها، بحيث تصبح عملية نقل هذه الاختصاصات وسيلة في تعزيز عمل الإدارة المحلية، ومدخلاً لعملية التحول إلى اللامركزية الإدارية أكثر من كونها الغاية الأساسية له.
من خلال هذا التوصيف يمكن لعملية التحول إلى اللامركزية الإدارية أن تصبح أمراً واقعاً، تبتعد من خلاله السلطة المركزية عن تفاصيل وخصوصيات العمل المحلي في كل منطقة، في مقابل حضورها كموجه وضامن لمجمل هذه العملية وداعم لها، سواء من الناحية التشريعية من خلال تهيئة وتطوير البيئة القانونية بما ينسجم مع هذا التوجه الجديد، أو من الناحية التنفيذية من خلال تطوير قدرة المجالس المحلية والارتقاء بها لتكون قادرة على خلق الشراكة وإدارتها مع كل من المجتمع المحلي والقطاع الخاص.
اقرأ أيضاً: دور المرأة في الإدارة المحلية بسوريا.. حضور خجل ومجالس ذكورية
حضور السلطة المركزية سيكون أيضاً فاعلاً هنا من خلال الخطط والبرامج الوطنية التي تعمل عليها الحكومة وأجهزتها، وتطوير هذه الخطط بحيث تكون مركزية الإعداد والتحضير، لكن لامركزية التخطيط والتنفيذ، بما ينسجم مع عملية التحول المأمول، نتكلم هنا عن الإطار الوطني للتخطيط الاقليمي والبرنامج الوطني لسوريا مابعد الحرب وبشكل أساسي عن الخطة الوطنية اللامركزية التي يجب العمل على وضعها موضع التنفيذ، وتحويلها من مجرد تحديد لعلاقة المحلي مع المركز واختصاصات كل منهما، إلى أداة أساسية لدعم التحول إلى اللامركزية الإدارية في سوريا، من خلال الصلاحيات الموسعة التي ستمنح للمجالس المحلية تبعاً لهذه الخطة، إلى جانب مساهمتها في تحسين القدرات المؤسساتية والمالية لهذه المجالس كماً ونوعاً.
التحدي الأكبر يكمن اليوم في نقل عملية التحول هذه من توجه حكومي إلى توجه وطني من خلال استثارة المجتمع السوري بمختلف فئاته وكوادره لملاقاة هذا الجهد والعمل الحكومي وتوظيف كل الإمكانات لتقديم كل دعم ممكن له، فطالما أنّ المجتمع بعيد عن حالة الفعل المؤثر والشراكة في عملية صنع القرار سيبقى أي جهد حكومي قاصراً عن تحقيق أهدافه ويعيد إنتاج منهجيات وآليات العمل السابقة.
إن الفعل المؤثر والشراكة يجب أن تُبنى قبل كل شيء على الوعي والمعرفة، وهذا يتم من خلال طرح الإدارة المحلية وكل المفاهيم السابقة لنقاش مجتمعي منتج وتوسعة هذا النقاش من خلال المختصين والمهتمين والناشطين المجتمعيين ليخرج من أروقة المؤتمرات والجلسات الحوارية – على أهميتها – إلى التداول بين مختلف الشرائح بهدف تشكيل رأي عام مدرك لأهمية التحول إلى اللامركزية الإدارية، واعٍ لأهدافها والنتائج التي تسعى إلى تحقيقها، داعم لهذه العملية ومشارك فيها تخطيطاً وتنفيذاً ورقابة.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يشارك الشباب في انتخابات الإدارة المحلية؟
يبدو كل من المجتمع المدني والإعلام لاعبين أساسيين في مجمل هذه العملية في حال خلق البيئة الآمنة والخصبة لعمل كل منهما، بسبب ما يمتلكانه من قدرة ومرونة على إطلاق هذا النقاش المجتمعي والعمل على إغنائه من خلال أحد أهم أدوراهما وهي إعادة إنتاج المعرفة ونشرها وتوظيفها لاحقاً في ورشات بناء قدرات وحوارات تستهدف الفاعلين في هذا المجال والناشطين المجتمعيين وحتى العاملين في المجالس المحلية، وأيضاً من خلال دورهما في توليد مبادرات مجتمعية خلاقة والعمل على نشر ثقافة المبادرات وتشجيع الناس على الانتقال من موقع الاتكال في التفكير والعطاء، إلى موقع المشارك فيهما.
إنّ التحول إلى اللامركزية الإدارية هو تحول في منطق التفكير الحكومي ومنهجية التخطيط والتنفيذ على مختلف الأصعدة، وإعادة إنتاج لمؤسسات الدولة وآلية عملها وفق هذا المنطق الجديد.
هو عملية بناء وطني بحت على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة صياغة لشبكة العلاقات والأطر والمؤسسات المجتمعية والاقتصادية والسياسية بطريقة أكثر تعبيراً عن الناس ومصالحها، وبالتالي ضمان عدم تكرار هذه الأزمة مرة أخرى، وتثبيت عمليات المصالحة الوطنية وضمان استدامتها.
اقرأ أيضا: الإدارة المحلية في سوريا (1) .. مساحات منتجة