الأمبيرات وشهر نيسان الذي لم ينتهِ بعد – أيهم محمود
رسالة مواطن عادي من "مجتمع القاع"
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن شهر نيسان مازال واعداً، وأنه يحمل فرص هطول تصريحات جديدة تحاول تبرير المأساة التي يحيا السوريون فصولها اليومية دون أي أمل بتقديم حلول جدية لها، تخفف من قسوتها على أقل تقدير، عشر سنوات مرت على بداية الأزمة السورية وحالنا الاقتصادي من سيء إلى أسوأ.
سناك سوري-أيهم محمود
صدر الأسبوع الماضي قرار منع استخدام الأمبيرات في مدينة اللاذقية دون توفر البدائل عنها، علماً أن الأمبيرات في اللاذقية لم تُشرّع وبقي استخدامها محصوراً في نطاق ضيق جداً لم يحل أزمة العمل والتعليم المتفاقمة والتي وصلت كل محاولات تجاوزها إلى طرق مسدودة.
يقول عضو المكتب التنفيذي لقطاع الكهرباء في اللاذقية مالك الخير في تصريحه لشام إف إم: “لو كانت الأمبيرات تخدم المجتمع لوافقت عليها الدولة، وقرار منعها لا تراجع عنه”.
نتحدث في هذه المقالة عن المجتمع الذي لن تخدمه الأمبيرات لكن من زاوية رؤية أخرى، زاوية القاع الذي نحيا فيه، من الطبيعي أن نختلف في رؤية المشهد مع الذين ينظرون إلى المجتمع من نقاط مرتفعة، نحن ننظر إليه عبر المساحات المتوفرة لنا فوق أكتاف المواطنين “العاديين” المحشورين في باصات النقل الداخلي هذا إن توفرت لهم، ليس لدينا اتساع واجهات السيارات الخاصة التي تقدم رؤية ٣٦٠ درجة لواقع المجتمع، ربما نعاني من نظرة ضيقة بعض الشيء لما يجري حولنا مصحوبة بذاكرة ملامح البشر المُتعَبين والخائفين على مستقبل أولادهم، وفوق تعبهم اليومي تأتي جبال الوعود التي لا تتحقق، وجبال التهديدات الموجهة لهم إن تحدثوا بالقهر عن متاعبهم اليومية.
اقرأ أيضاً: رأس المواطن العادي يتعرض للقصف المركز في شهر نيسان – أيهم محمود
فحلول أزماتهم المستمرة والتي تبدو بلا نهاية هي في عدم الحديث عنها لكي لا نُقلق راحة المواطنين “الاستثنائيين” بمشاكلنا “العادية” أثناء ارتيادهم الميمون والمُظفر للمنتجعات السياحية المُعفاة من التقنين أو تلك التي تتوفر فيها المولدات الضخمة (الأمبيرات) التي تخدم المجتمع حقاً وفعلاً، ولكي لا أستفيض في شرح فلسفة القاع الذي أحيا فيه يومياً وأعرف كل “زواريبه” ومنعطفاته التي لا يظهر فيها أيُ أمرٍ تاريخي أو استثنائي أنتقل مباشرة إلى ذكر مضمون الاتصال الهاتفي الذي وردني الأسبوع الماضي.
مهندسة حديثة التخرج اتصلت بي للمرة الثانية، في المرة الأولى قبل بضع أشهر طلبت التدرب في مكتبي الهندسي، طلبت منها تأجيل الأمر بضع أشهر فقط فقد يتحسن واقع الكهرباء وفقاً للتصريحات المتواترة في ذلك الوقت، لقد اعتذرت من المهندسين المتدربين لدي وتوقفت عن نقل الخبرة الطويلة المتراكمة لدي في قطاع الدراسات الهندسية لمدة تتجاوز ٣٠ عاماً إليهم، أنا في الربع الأخير من عمري الإنساني وقد يغافلني الموت في أي لحظة وهذا حقٌ وأمرٌ طبيعي، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن تتوفر الكهرباء الاستثنائية للمنتجعات السياحية وللأحياء الاستثنائية المدعومة مالياً وخدمياً على حساب المواطن “العادي” الذي تم حرمانه حتى من الحلم بأمبير واحد فقط يستخدمه في التعليم وفي إنجاز بعض الأعمال الفكرية الصغيرة.
لا أعلم حقاً كيف يخدم الجهل والتجهيل المجتمع، وكيف تخدم الوعود التي لا تتحقق أبداً هذا المجتمع، وكيف يخدم السكون والاستسلام وعدم البحث عن حلول عامة المجتمع. مجتمعي البسيط، مجتمع القاع “العادي” الذي أحيا فيه، يقال: أن الطعام والشراب يمكن اختصاره لكن لا يمكن اختصار التعليم والتدريب والتقدم المعرفي والعلمي، اعتذرت من زميلتي الصغيرة في السن لكن الكبيرة في طلب العلم والمعرفة مرتين، مرةً بلساني وأنا أقول لها أن الظروف الكهربائية لم تتحسن، ومرة بقلبي وأنا أقول: “سامحيني يا ابنتي على هذا القاع الذي وجدتم أنفسكم فيه”.
طرحت في مقال سابق قديم في موقع سناك سوري اقتراح أن تقوم مؤسسة الكهرباء نفسها ببيع الأمبيرات باستخدام شبكتها الكهربائية الجاهزة، هم يقولون أن الكهرباء خاسرة، يمنع المخولون بحماية المجتمع مزودي الأمبيرات من العمل أيضاً، حسناً لتقدموا أنتم بديلاً عنها أسوةً بما تقدموه للمنتجعات السياحية المُعفاة من التقنين، أو أسوةً بالأحياء الاستثنائية التي يتوفر الوقود لها دائماً ولا يتوفر لأحياء المواطنين العاديين الذين عليهم فقدُ كل إمكانات العمل ليبقى أمامهم فقط الموت المعرفي أو أمل الهجرة النهائية وعدم الالتفات إلى الوراء.
هل قتل المجتمع فكرياً ومعرفياً يخدم المجتمع فعلاً؟ هل هجرة أبنائه بحثاً عن أمل في منافي الأرض الواسعة تخدم المجتمع؟ من يُزعجه وجود الأمبيرات عليه أن يقدم البدائل المناسبة عنها، أو يُفسر للمواطنين “العاديين” سبب إغلاق كل نوافذ الأمل الكهربائي مع الإصرار عمداً على عدم توفير أي بدائل حقيقية عنها، هل هناك ما يمنع إنشاء مراكز ثقافية كهربائية في كل حي يستطيع الطلاب وأصحاب المهن الفكرية قصده لمتابعة تحصيلهم العلمي أم أن السباحة في المنتجعات “خمس نجوم وأكثر” تقدم للمجتمع فائدة أعلى من تَعَلم وعمل أبنائه؟ الأسئلة طويلة ولن تنتهي، لذلك أختم هذه المقالة وأدعُ مهمة إكمالها لمواطني القاع من أمثالي، مع نصيحتي لهم بتناولها بهدوء ودون ضجيج لكي لا نزعج “الاستثنائيين جداً” أثناء انشغالهم في عد أموالهم ومكاسبهم اليومية.
اقرأ أيضاً: صحيفة حكومية: 14 شركة خاصة بينها منتجعات معفية بالكامل من التقنين