إلى كل من لديه صديق كـ “هاري بوتر” أقصد “هاري نعمتي”
هذا ماحدث في (السكن الجامعي – الكتلة (آ) – الطابق (2) – الغرفة (17)).. تناولت “القات” لأجل الامتحان فنسيت حتى اسمي!
سناك سوري-شاهر جوهر
أذيع ذاك المساء في محطة عربية فيلم “هاري بوتر والأمير الهجين” للمخرج ديفيد ياتس (الصادر عام 2009)، كان الجو لدي مهيئاً لحضور فيلم.
زوجة نائمة وطفل مشاغب ينام مع جدته، وتيار كهربائي مستمر في العطاء منذ يومين دون تقنين حكومي، فماذا يرغب زوج مثلي أكثر من ذلك للاستمتاع بإحدى روائع ”ج. ك. رولينج“ في جزئها السادس.
ما إن ظهر بطل الفيلم حتى زحفت على ركبتيّ الى التلفاز لأتأكد عن قرب هل عيناي الجميلتان تكذبان كما العادة أم أنه هو.
هل يعقل أن يكون هو ؟!
لا أعتقد فهذا رشيق
لربما هو
يا لعيني التعبتان
أقترب أكثر. لا إنه “هاري بوتر” أما من تخيلته فهو صديقي القديم والذي يستحق أن أسميه “هاري نعمتي” طوال سنين الجامعة. أقصر من “بوتر” بقليل ويلبس نظارة طبية سميكة وحين تركته بعد التخرج كان يربي كرشاً صغيراً.
أنا على يقين أنه لو كان معي الآن و أخبرته أني لكم أشتاق له ولأيام خلت، سيقول لي بفطنة شمالية: «من الطبيعي أن يفكر الجنوبيين بالطعام». نعم إنه طعام، شهي مثل معروك أمي.
كان دائماً يقول لي نصائح لطيفة بطريقة عنيفة، ما جعل زمالتي له في السكن الجامعي في منطقة مقطوعة على أطراف دمشق كمن يجاور خلية نحل، مفيد للصحة لكنه لاذع.
من فوائده أنه قدم لي ذات مرة نصيحته من أجل ترفيع مادة “العلاقات الدولية” بمعدل جيد، أخبرني بسرية تامة أن رفيقاً يمنياً في الكتلة (آ) جلب معه كمية جيدة من القات Catha edulis، وأنه تمكن من ترفيع مواده بشكل جيد بفعل تلك النبتة.
لم يبق على الامتحان أقل من 12 ساعة، ارتديت قميصي العنابي الذي يجلب الحظ، ثم قمت بزيارة ذاك الرفيق الحضرمي.
(السكن الجامعي – الكتلة (آ) – الطابق (2) – الغرفة (17)) أذكر العنوان بتفاصيله الدقيقة، لربما هو الشيء الوحيد الذي أذكره من تلك الليلة.
استقبلني “فؤاد” بكرم طائي وقد انتفخ إحدى شدقيه، حنطي مربوع، يرتدي قميص داخلي أبيض ويلف قسمه السفلي بمعوز حضرمي. كانت غرفته تعج بالضيوف، نوافذ الغرفة مغلقة، وتطفو فوق الرؤوس كتل من دخان السجائر والأرجيلة. سألته بصوت منخفض وسريع:
– هل يوجد لديك .. ؟
ثم جررت أنفي على قفا راحة يدي وغمزته بطرف عيني، ضحك وصاح مرحّباً (يا أهلاً بالديوان)، الديوان في اليمن مصطلح يطلق على المكان الذي يجتمع به الشبان لمضغ القات، هذا ما علمته بعد تلك الليلة.
مضت ساعة وهو يعرّفني على رفاقه، وساعة أخرى لتناول المندي والهفيت معهم، وساعة ثالثة لشرب الشاي ولعب ورق الشدة. بعدها عاودت جر أنفي من جديد و غمزته، فصاح مرة أخرى (يا أهلاً بالديوان)، ثم سألني بحب:
– قات ؟
– قات، نعم يا ملعون.
كان فؤاد ساحراً في حديثه معي، كان يدخل الرأس كالنعاس، لذا سألته بإدمان إن كان من الجيد تناول كمية جيدة قبل الامتحان، أخبرني بحنو أني حين (أخزّن)، أي أبدأ بالمضغ، سيتضاعف الذكاء وسأتمكن من الحفظ لأضعاف، وما يتم حفظه في ساعة سيصبح لدي في دقيقه.
يا رب السماء من أي سماء مباركة سقط عليّ هذا الصديق، فقد جعلت كلماته تلك عيناي نصف مغمضتان ثم فكرت بسوء حين قررت أن أمضغ كمية أكبر لعلّي أحصل على نتيجة أفضل من شريكي في السكن وبذلك أتخايل عليه.
وبحماسة استعرت طاولة فؤاد وسريره للتخزين والدراسة، فغداً عند الثامنة صباحاً سيكون امتحاني ولن أنام. قمت بمضغ كمية قليلة من ورق القات المبروش مثل النعنع اليابس، مرت دقائق لكن لا نتيجة، قمت بشرب بعض الماء فتم ابتلاع تلك الكمية، فأخذت عوضاً عنها كمية أكبر.
فقط هذا ما أذكره من تلك الليلة المباركة، وما أذكره (خير اللهم إجعله خير) أن أحدهم أخذ يطبطب برفق على خدي:
– أخ جوهر .. أخي أتسمعني ؟
بدأ مفعول الكاثينون يتحرر في رأسي، يتجمع ثم ينفلت كتعب على عيناي، فسألته بكسل :
– من أنت، وكم الساعة؟
– أنا فؤاد، إنها الحادية عشرة صباحاً
صاحت روحي المحبوسة داخل هذا الجسد المخدر:
– يا أهلاً بالديوان
إلى الصديق “هاني نعمت” أدعو الله أن أجدك يوماً
اقرأ أيضاً: آخر حديث مع “أبو طلال” – شاهر جوهر