سوريون يبيعون دفئهم بـ5000 ليرة!

العم “أيمن” كان يريد بيع مازوته لجاره الميسور بمبلغ يعينه على تأمين مونة الشتاء.. لكن الحلم تبدد والصهريج لم ينتظر!
سناك سوري-سها كامل
يقف العم “أيمن” حزيناً بعد ذهاب الصهريج المخصص لتوزيع مازوت التدفئة في قرية “الدالية” بريف “جبلة”، تبدو عليه علامات الخيبة، ليس لأنه لم يحصل على الليترات القليلة التي خُصصت له، ليستقبل فيها فصل الشتاء الطويل، إنما لأنه أراد أن يبيعها لجاره الميسور الحال، والذي وعده أن يشتري حصته.
“أيمن” وهو أب لثلاث أطفال لا يختلف عن عدد كبير من المواطنين قرروا بيع دفئهم مقابل الحصول على أموال قليلة تعينهم في مصروفهم اليومي، ورغم علمه بأن الشتاء سيكون قاسٍ جداً، وأن مواجهة البرد ليست بالأمر السهل، إلا أنه يعلم في الوقت ذاته أن الكمية المخصصة لا تكفي لأول شهرين من الفصل البارد، كما أن جاره وعده بمبلغ جيد يفك به ضيقته، ويشتري مونة الشتاء، تبقى لقمة الخبز أهم من الشعور بالدفء على كل حال.
يقول العم “أيمن” وهو في العقد السادس من العمر لـ”سناك سوري”: «يهددنا الشتاء، كما العدو، يدخل علينا بعواصفه وأمطاره ورياحه، ونحن كالجندي بلا سلاح»، ويضيف: «عندما خصصوا 200 ليتر من المازوت، هل قاموا بدراسة تؤكد أن هذه الكمية كافية لنحو خمسة أشهر من البرد؟، إنها لا تكفي حتى أول شهرين، لذلك فضّلت أنا وأسرتي أن نعتمد على الأغطية السميكة ونغلق الأبواب، لنغلق معها دفتر الذكريات عن شتاء 2008 عندما كنا نجتمع حول مدفئة المازوت نشعر بالدفء والوفرة، وقتها كان ليتر المازوت بـ 5 ليرات».
بحساب بسيط لكمية الاستهلاك، يظهر أن الكمية المخصصة لا تكفي، فكل عائلة تحتاج كحد أدنى 5 ليترات من المازوت يومياً أي 150 ليتر في الشهر، و600 ليتر لأربعة أشهر، والكمية المخصصة بأكملها 200 ليتر كدفعة أولى، و200 ليتر دفعة ثانية بعد رأس السنة، إلا أن معظم الأهالي لم يحصلوا على الدفعة الثانية العام الماضي، لذلك فضّل كثيرون منهم بيع حصتهم لأصحاب الكازيات، الذين يشترون الـ 100 ليتر المخصصة بـ 5 آلاف ليرة، ويبيعونها في السوق السوداء بـ 10 آلاف ليرة، كما قال أحد عمال الكازيات لـ”سناك سوري”.
بيع الحصص يحمل إشارات خطيرة لناحية أن الدعم الذي يجب أن يذهب لمستحقيه، لا يصل إليها بما يكفيهم ليكون دعماً حقيقياً، على اعتبار أن الدعم يجب أن يكفي الحاجة وفق مايقوله “مزيد” وهو مواطن أكد لـ سناك سوري أنه باع حصته، وأضاف يجب أن يغطي الدعم احتياجاتنا من جهة، ومن جهة ثانية يجب أن يوزع بالكامل فلا يعقل أن تقولوا لنا مثلاً مخصصاتكم كذا تحصلون عليها عبر دفعتين، ونحصل على دفعة وعندما يأتي موعد الدفعة الثانية لا تصلنا، هذا يجعلنا لانثق نهائياً بهذا الدعم ولا بمؤسسات الدولة ووعودها.
ومن الحلول البديلة “الحطب” خاصة في قرى المحافظة المرتفعة الجبلية الباردة كصلنفة وكسب والحفة و الدالية و بطموش وبشيلة، حيث تنخفض درجات الحرارة، و تزيد كمية الاستهلاك، فتصبح الـ 5 ليترات يومياً غير كافية، فليس أمامهم سوى تجّار المنطقة الذين يبيعون طن الحطب بـ 40 ألف ليرة سورية، أو الاعتماد على مخلّفات الزيتون كبديل، لا سيما أنها سريعة الاشتعال وتؤمن ديمومة أطول من مدافئ الحطب، وتسمى في طرطوس واللاذقية “التمز” وفي مناطق آخرى تسمى “العرجوم”.
أما وسائل مواجهة البرد الآخرى، كالكهرباء والغاز، فالتغت من قائمة التدفئة لدى معظم الأهالي، فهم ينتظرون بفارغ الصبر للحصول على اسطوانة غاز للمطبخ، وفواتير الكهرباء أصبحت مرتفعة، فهل يستطيع المواطن تحمّل أعباء التدفئة على الغاز والكهرباء، في ظل انخفاض كمية المازوت المخصصة وغلاء سعر الحطب؟.
عملية توزيع مادة المازوت بدأت في محافظة اللاذقية مع بداية الشهر التاسع، واعتمدت الآلية على توزيع المادة وفق ترتيب التوزيع الجغرافي الأكثر بعداً وبرودة، وصولاً إلى المدن التي بدأت بالحصول على حصتها من ١٥ / ٩ / ٢٠١٩، علماً أن بعض الأهالي في القرى القريبة من المدينة لم يحصلوا سوى على 100 ليتر كدفعة أولى، وتبقى قصة مازوت التدفئة مرتبطة بأخبار المنخفضات الجوية واشتداد البرد، في ظل انخفاض الثقة لدى المواطن بالحصول على الكمية المخصصة كاملة، استناداً إلى تجربته العام الماضي، ليستقبل الشتاء ويبتكر الحلول ويواجه أزماته ونزلات البرد بنفسه.
اقرأ أيضاً: “مواطن” والمازوت.. إجت الحزينة لتفرح