أول كريك عاطفي في حياتي
في اليوم العالمي للمصدومين عاطفياً، هل حدث وأن أكل أحدكم مثل هذا الكريك العاطفي من قبل؟
سناك سوري – سناك عاطفي
البارحة سألتني زوجتي عن علاقاتي الغرامية السابقة إن وجدت، فتنهدت بمخاتلة والتزمت الصمت، وهي حيلة قديمة ورثتها عن أجدادي المصدومين عاطفياً، نفتعلها حين لا نلوي على شيء، ولا نرغب في أن نتعرى عاطفياً أمام من نحبهم. أو بمعنى أفضل حين نجد جعبتنا فارغة عاطفياً من العلاقات القديمة ونرغب في أن نخاتل في ماضٍ زائف.
أنا ابن الريف، و في الريف إقامة علاقة عاطفية فعل متعب بالعموم، والشاب الريفي البسيط ما هو إلا قصر عتيق ومهجور التهمته الطبيعة والطحالب، لكن ما إن حككته بالحب حتى عاد لعهده القديم، أما بالنسبة لي أجدني لستُ جيداً في هندسة العلاقات العاطفية، لهذا السبب نمت حولي طحالب وخيمت عناكب.
الشيء الوحيد الذي كنت أجيده أيام المراهقة هو كتابة رسائل الحب للآخرين في المدرسة، تلك التي كانت تبدأ بالبادئة الرومانسية المشهورة من مثل “تحياتي لمن دمر حياتي”، أو “سلام سليم أرق من النسيم يأتي ويروح إلى القلب المجروح” وسواها من مفردات التسعينيات العاطفية.
الفريد في الأمر أن أغلب تلك الرسائل كانت تصل لفتاة تدعى “مريم”، بشكل مباشر أو غير مباشر، الجميع كان يحب تلك الفتاة النحيفة ذات الغرّة الناعمة والفم الوسيع، حيث من السهولة عليك حينها أن تتعثر في حبها من النظرة الأولى، أو كما تحبذ “أحلام مستغانمي” قوله منذ ما قبل النظرة الأولى، فهي تجيد مهنة جمع الشبان كما كنت أجيد في مراهقتي جمع المفاتيح القديمة في تكة سروالي، فما أن يراها أحدهم حتى يعاني ذاك الإحساس المعروف جيداً لمن هم بوضع العبودية، ذاك الإحساس الذي لا يعيه سوى من سقطوا في الحب. آه، لكم تمنيت حينها أن أكون مفتاحها الصدء الألف.
ذات يوم أخبرتني قريبتي في المدرسة أن “مريم” تريد أن تراني “لأجل موضوع مهم”، رمت قريبتي تلك الكلمات أمامي ثم أقفلت مغادرة، و لم توضح أكثر من ذلك، التقطتُ كلماتها من على الأرض، شذبتها من غبار الطريق وكررتها في رأسي عدة مرات، وقلت في نفسي بما أن الموضوع مهم فلا مهم لدى “مريم” أكثر من الحب. آه أهلاً بك يا حب.
عدت للمنزل مختلّاً كمن تناول علبة كلور على الريق، نصبت المرآة على الجدار، وأخذت أراقب جمالياتي أمام هذا الاختراع الذي كنت أتحاشى الإقتراب منه طوال تلك السنوات، فالمرآة و لوقت طويل كانت بالنسبة لي أكثر اختراع لا أحبذ استعماله، أما اليوم إنها المرة الأولى التي أرى فيها كم هو حلواً أن يكون الشاب أسمراً، فكل الأغاني من “سميرة توفيق” و حتى “نجوى كرم” جميعهن تغنّين بالأسمر، فأين كنت تخفي كل تلك الحلاوة يا إنسان.
آهٍ يا جاري لو تدري ما أحلا الحب، يجعلك ترى جارتك “هندية” الجنيّة في وداعة حالمة، ويدفعك لتتغاضى عن سرقات كلبتك كوكو لأحذية أولاد الجيران بمرح، ويبث في كتفيك المهزومتين رغبة في النصر، لهذا وحدها الأشجار العارية تغريني وتدفعني لأقول شعراً حين أحب.
كان من اللازم أن أفعل شيء، أي شيء، لهذا صرفت كل ذاك اليوم أمام المرآة، وحين أقول كل اليوم يعني كله، لهذا وقفت أبتسم لنفسي، أتحدث مع وجهي الأسمر الحلو في بروفة مسبقة، أغير من طريقة نظراتي، أبدل من طريقتي في المشي، أضع يداً في جيبي وأجعل الأخرى حرة للهواء، أرفع حاجباً وأنكّس آخر كنوع من اختيار وضعية لأكون بها جذاباً أمامها غداً.
اقرأ أيضاً: في عيد الحب.. علي وسهام 30 عاماً من الحب والود
استيقظت في صباح اليوم التالي، لا عفواً، فأنا لم أنم، لذا الأفضل أن أقول:« في صباح اليوم التالي استيقظتْ الشمس باكراً حين تناولتُ ثيابي المرتبة من تحت فراشي، فالفراش هو مكواة الريفيين، ثم نظفت أسناني بالماء والسكر ثلاث أو أربع مرات ولربما أكثر من ذلك، دهنت شعري بزيت الزيتون، و خلقت غرّة جانبية لم أعتد على فعلها قبلاً».
على الطريق الريفي الضيق الواصل إلى المدرسة الكل يصفّر ويلقي حولي كلمات، كلمات ليست كالكلمات، أحدهم ينغّم (بست يا حلو)، وآخر (صباحو يا أنيق)، وثالث (حمار مين مات حتى متهندز؟) ورابع وخامس، أما أنا الحلو والأنيق “المهندز” فلا أمنح لهؤلاء القرويين العاطلين عن الحب أية أهمية.
جاءت “مريم” في موعدها تماماً لكن لم تأتِ لوحدها، تهادت بين رفيقتيها السمينتين، قلت في نفسي إنها تستقوي على خجلها أمامي برفيقتيها، يا إلهي لم أحسب حساباً لهكذا موقف، فقد برمجت نفسي لمحادثتها بمفردها، ماذا سأجيبها أمام رفيقتيها الآن إن قالت إنها تدعكلت بي عاطفياً، أو أنها لم تنم ليلتها وهي تتدرب على الاعتراف بما تخبئه تجاهي، لا يهم سأقول لها أفكر في الموضوع وأخبرك لاحقاً.
اقتربتْ أكثر، ألقت التحية، رسمت ابتسامة جميلة، وبلا مقدمات قالت: “هل ترى “حسن”؟ إنه هناك يستند على الجدار، أريدك أن تخبره كم أحبه يا رفيق”.
بعد هذه الكلمات أصيبت أذناي بالشواش، تماماً مثل انقطاع البث عن فيلم تنتظر نهايته بفارغ الصبر، وأدركت أني تلقيت أول “كريك عاطفي في حياتي”.
اقرأ أيضاً: حسان و لانا.. 10 سنوات من الحب الممنوع دينياً وقانونياً