أكثر جيل مظلوم في سوريا.. صراع على نيل “شرف التعتير الأكبر”
السبعينيات ولا الثمانينيات أو التسعينيات والألفية.. نقاش محتدم لنيل "شرف التعتير"
من هو أكثر جيل مظلوم في سوريا؟ صرخت ابنة جيل السبعينيات بأنهم أكثر جيل انظلموا، وهم الذين كانوا يذهبون مشياً تحت المطر والشمس للمدرسة. قاطعها ابن جيل الثمانينيات، منتزعاً منها شرف “التعتير” بكونه وأبناء جيله عاشوا الحرب على الجبهات وتحت القذائف. ليبرز جيل التسعينيات الذي حاجج بالمستقبل المجهول والحال الاقتصادي “المايل”. أما أبناء جيل الألفية فما يزالون خارج منافسة التعتير لأن طفولتهم لم تسمح لهم بتجاوز شرفة المنزل.
سناك سوري-جولي زوان
تلك السردية جرت على الطاولة المجاورة في المقهى، الذي أزوره كطالبة وواحدة من شابات جيل الحرب والتقنين وسوء الإنترنت. ومثلي كثر من أبناء جيلي، نركض إلى المقهى لنرتب فوضى اليوم وننهي مشاريعنا التي تأكل من أعمدتنا الفقرية بصمت. كما يأكل العث قطع الملابس.
نعم، كان هناك منافسة شرسة بين من هو أكثر جيل “اتدعوس من الحياة” في سوريا. احتدم النقاش حتى تخيّل إليّ أن هناك جائزة كبيرة تنتظر الجيل “المدعوس” في نهاية المطاف.
كان الخمسة يتنافسون حول سؤال من هو الجيل الضائع والأكثر معاناة؟ وكل منهم يسحب الأفضلية في (الضياع) لطرفه. فنحن في مكان اعتدنا على أن نتنافس به على من هو الاكثر ألماً أو ركضاً ومن هو المُعذَّب بطريقة أكبر.
حاجج جيل السبعينيات بالتعب الدراسي والتطور الذي لم يشهدوه بشبابهم ليساعدهم إضافة لنمط الحياة حينها “كنا نمشي من ضيعة لضيعة تحت المطر والشمس لنروح عالمدرسة، ودروس خصوصي ومعاهد ما حطينا”. ليضيفوا أنهم اعتادوا على العمل من عمر صغير بسبب كثرة عدد أفراد العائلة.
من هو أكثر جيل مظلوم في سوريا؟
ثمّ انهمرت حجج شباب الثمانينيات وبداية التسعينيات مدججة بالحرب والخوف الذي رافقها. فهم كانوا يخافون من رحلتهم من البيت إلى الجامعة فعندها القذائف أو الرصاص الطائش في بعض المناطق كان من الممكن أن يدركهم.
شبّان قضوا شبابهم على الجبهات، وزوجات كان الانتظار وتحمل مسؤوليات كبيرة من مصيرهنّ. فتلك من فقدت زوجها أو أبيها أو أخيها وتركت جامعتها لتتحمل مسؤوليات إضافية، وذاك من لم يستطع تأمين أي شيء لمستقبله. لينتهي هذا كله بالحالة الاقتصادية والركض خلف الحافلات وفوضى الجامعات الذي عاشه الثلث الأخير من التسعينات وجيل الألفية. مضاف إليه كل التشتت الذي يشهدونه وهم ينتظرون مستقبلاً مجهولاً يأملون أن يخففوا من وطأته بالسفر بعدما عاشوا طفولة قلقة لم تتجاوز مساحتها شرفة المنزل.
وبعدما انتهت شابة التسعينات من سرد أسبابها، استفقت لوهلة. وأدركت أن فضولي الذي قادني لأن أسمعهم في الوقت الذي أبحث به عن جزء من الثانية لأُنهي مشروعي ورحلة كفاحي مع عامي الدراسي الحالي. لن يخفف عني الوطأة التي ستسببها لي الجامعة عندما تأتي الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي وأنا لم أنتهِ بعد.
فأتخيل الجامعة تضع إصبعها في راحة كفها، وتقول لي بصوت صاخب لا يخلُ من “المجاقرة”: “طقي وموتي ما لحقتي، خلي حسك الصحفي يخلصلك المشروع”. لذا أعتقد أن جيل السوريين من كافة الأعمار يستحق جائزة التعتير مناصفة بالعدل.