أغاني الأطفال أحد أهم أركان بناء الشخصية – ناجي سعيد
دور الأهل لا يقتصر على تأمين الطعام لأولادهم

تُعتبر الحواس هي المدخل الأساسي الذي يساهم بشكل فعّال في تكوين شخصيّة الإنسان منذ طفولته. فكما نسقي الزرع والنباتات ماءً ونُعرّضعها لأشعّة الشمس لتنمو، وَجَبَ علينا أن نبذل جهدًا لتأمين الحاجات الفيزيولوجيّة للأطفال لتنمو بشكلٍ طبيعي.
سناك سوري-ناجي سعيد
ولكنّ ما يَغْفَلَهُ الإنسان، أن الحواسّ الخمسة هي المدخل الطبيعي لتلبية الحاجات الفيزيولوجيّة. فلا يكفي أن يعمل الوالدان طوال النهار لتأمين القوت ولقمة العيش لسدّ جوع أطفاله. حيث لا ننكر أهمّية هذه الحاجة، أي الجوع التي تُلبّى من خلال الفمّ وهو المدخل لحاسّة الذوق وهو الملبّي لحاجة الجوع.
لكنّي أدركت أهمّية حاسّة السمع، وتأكّدت من قوّة تأثير الأصوات على الإنسان، بعد أن قرأتُ كتاب “الصوت بوّابة الكون” للكاتبة الفرنسية “ساميا ساندري”، حيث تلفت انتباه القارئ إلى الأصوات التي تُصدرها الطبيعة كحفيف أوراق الأشجار وخرير المياه.. وغيرها.
وليس هذا تسويقًا لمذهب يُقدّس الظواهر الطبيعيّة، لا بل أودّ أن أحصر حديثي تربويًّا، بين تلقّي سويّ وطبيعيّ، لحواس تستقبل مُدخلات حسّية تؤثّر على جسم الإنسان. وقد بدأت الحديث عن “الصوت” ومدى أهمّيته، وقد لا يدرك الناس بأن الصوت حين نتلقّاه من خلال موسيقى أو أغنية.. أو نشيد مثلاً، يترك أثرًا في دماغ الطفل.
نعم فقد طبّق الأوروبّيون (بعد دراسات علمية تربوية) عمليًّا تشغيل الموسيقى و أغاني الأطفال في صفوف الروضات والمراحل الابتدائيّة لتُظهر النتائج نجاح الطلاّب وتفاعلهم الإيجابي مع المعلّمين/ات في رحلة التعلّم المدرسي.
ولو افترضنا أن في بلادنا العربيّة سمّة مؤسّسات تربوية تعنى وتهتمّ بهذا الجانب التربوي وتولي شأنًا للموسيقى والأغاني لأثَرِها التربوي على الأطفال، فهل يكون باستطاعة هذه المؤسّسات القدرة على المتابعة والإشراف على الجوّ التربوي “الموسيقي” الأمن في منازل الأطفال؟ قد يُهذّب سمعه في الصفّ ويستمع إلى الموسيقى الجيّدة، ثمّ يذهب إلى البيت فيلقى إرهاب “سمعي” من خلال تشغيل أغانٍ (تسوّق لفنّ هابط) أو أناشيد (تسوّق لمنحى عسكري أو ديني).
اقرأ أيضاً: بيوم الصحة النفسية العالمي ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان – ناجي سعيد
فنجد أن الأبعاد التربويّة التي تمّ مراعاتها في المدرسة من جهة سماع الموسيقى والكلمات تتقوّض أسسها من خلال أغنية واحدة هابطة تسوّق لمفاهيم غير تربويّة، ويعلق بذهن المُشاهد (فالثقافة البصريّة سائدة) ما ت/يرتديه المطرب من أزياء بهدف تجاري لا يحترم أي معايير تربوية أو مجتمعيّة، فيلحق الناس “الموضة” التي سوّقها “الفيديو كليب” من خلال الأغنية الهابطة.
الأهل مسؤولون عن تربية أطفالهم. وهذا لا يقتصر على الأكل والشرب، بل أن تهذيب الحواسّ جزء أساسي من تكوين الشخصيّة، فلا ترمي طفلك/طفلتك في أحضان مجتمع مجرم تربويًّا ولا يعنيه سوى ملء الجيوب وتكديس المال، فلا رقابة تربويّة مثلاً على التلفزيونات تمنع الأطفال من مشاهدة البرامج غير الملائمة لأعمارهم.
فنجد أطفالاً دون العشر سنوات يتابعون بشغف مع أهاليهم مسلسلاً “مدبلجًا” مليئ بأحداث عاطفية تتمحور حول الكذب والخيانة.. والعشق الحرام!! ومن ثمّ يشكو الأهل من طفلهم/طفلتهم بأنهّ /تكذب وي/تسلك طرقًا ملتوية في العلاقة مع الأهل والأصدقاء!! فلنهتمّ بالإناء لينضح بما فيه!.
والصدمة الكبرى حين تسمع أغنية لمطربة مشهورة، تسوّق لحالة مرّت بها (بحياتها الشخصيّة) فبعد أن تزوّجت ورُزقت بطفلة، أطلقت أغنية، تسوّق لفكرة : ..اللي ما خلّف بنات ما شبعش من الحنّية ولا دقش الحلويّات..! والفكرة “الذكوريّة” التي تُسوّق لها هي أن “البنات قِطع حلويّات يجب ان نتذوّقها”!!!!!!.
مع العلم بأن الموسيقى والأغاني تحمل أهدافًا علاجيّة لمشاكل تربويّة قد تكون خُلقيّة مع الطفل، ومنها:
معالجة الطالب الخجول، إذ تتيح له الأناشيد فرصة النطق بصوت مرتفع مع زملائه، أو منفردًا.
تحسين النطق، وإخراج الحروف من مخارجها بوضوح أثناء الإنشاد.
تعتبر من بواعث السرور للطلبة، وأثرها واضح في تجديد نشاطهم، وتبديد سآمتهم.
تزيد من إثارة الطلبة، وتبعث فيهم الحمية والحماسة، وتقوي شخصياتهم.
إكساب الطلبة الصفات النبيلة والمثل العليا.
إكساب الطلبة للمعارف والمفاهيم بصورة محببة وبشغف قويّ.
وأخيرًا، أذكر من طفولتي، الأغنية المصرية التي اشتهر بها على ما اعتقد “محمّد فوزي”: ماما زمانها جايّة…وجايبة معاها لِعَب وحاجات.. فقد كان السياق مناسب للأغنية في فيلم، حيث يحترم الموسيقى والحواس، وتبقى مُشكلتي الواقع الحقيقي الذي نستخدم الكذب والوعود لإسكات الطفل، الذي اشتهرنا بذبح “الحمَام” لجعله ينام، ثمّ رحّلنا الحمام.. فنحن نكذب على طفلنا لينام.