إلى اليوم، لم يرَ النور معمل العصائر الذي أعلن عنه رجل الأعمال سامر فوز قبل أكثر من خمس سنوات، ليساهم في حل أزمة تسويق الحمضيات بالساحل السوري.
سناك سوري – هادي مياسة
ولكن لا يمكننا لوم رجل الأعمال على التأخّر بإنشاء مشروعه، خصوصاً إذا ما تذكرنا أن الحكومة قد وضعت حجر أساس معملها -الذي لم يرَ النور أيضاً- منذ عام 2015. قبل أن تكتشف منذ نحو العامين أنه لا يحقق جدوى اقتصادية! وعوضاً عن ذلك انشغلت بافتتاح ودعم المنشآت السياحية!
منذ عام 2016 وصل اليأس ببعض المزارعين إلى حد اقتلاع أشجار الحمضيات لديهم. فالوعود غير المتحققة أرهقتهم ولم يعودوا قادرين على انتظار تحققها أكثر مما انتظروا
مشكلة تسويق الحمضيات أنهكت المزارعين حد اليأس
أزمة تسويق الحمضيات معضلة روتينية تتجدد كل عام، كيف يمكننا تسويق موسم الحمضيات بشكل ينصف المزارع ويحقق له ربحا معقولا؟
فشكوى المزارعين من ارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة بالسعر النهائي للمنتج، لم تتوقف بعد. فالتكلفة المرتفعة للسماد والمبيدات أوصلت الفلاحين إلى استخدامها بأقل من القدر المطلوب. كذلك أوصلتهم التكلفة المرتفعة للجني والقطاف والنقل إلى تفضيل ترك الثمار على أمها بلا قطاف مرات كثيرة.
والأمر ليس من قبيل المبالغة، فمنذ عام 2016 وصل اليأس ببعض المزارعين إلى حد اقتلاع أشجار الحمضيات لديهم. فالوعود غير المتحققة أرهقتهم ولم يعودوا قادرين على انتظار تحققها أكثر مما انتظروا.
ومَن ما زال مِن المزارعين محافظاً على أشجاره، لا بد من أنه اليوم يتساءل بقلق عما إذا كانت المشكلة ستتكرر هذا العام أم أن الوعود ستتحقق.
علماً أن تقديرات إنتاج محصول هذا العام هي 688 ألف طن بانخفاض 18% عن إنتاج العام الماضي. وذلك وفق ما صرح به “الدكتور حيدر شاهين” مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، لجريدة البعث. مضيفاً أن الإنتاج هذا العام سينخفض بنسبة 18% عن الموسم الماضي مرجعاً السبب للظروف الجوية. لكن الواقع يقول إن هناك أسباباً أخرى على رأسها عدم كفاية الأشجار من السماد نتيجة ارتفاع سعره.
ومع ذلك فإن الفائض سيكون كبيراً. إذ أن حجم الاستهلاك المحلي وفق ما نقلته صحيفة الثورة العام الفائت عن مدير عام السورية للتجارة “زياد هزاع” يقارب 250 ألف طن.
وبالعودة إلى معضلة السؤال حول كيفية حل أزمة تسويق الحمضيات بشكل مجدي للمزارع، لطالما كان الجواب البديهي أن التسويق عليه أن يعتمد ثلاثة محاور معاً، هي: التسويق المحلي، والتصنيع المحلي (عصير)، والتصدير. ولكن كل محور من المحاور السابقة يواجه مشكلاته الخاصة.
التسويق المحلي للحمضيات: بانتظار دور أكبر للسورية للتجارة
لا بد من ذكر أن مزارعي الحمضيات والمهتمين بشؤونهم صار لديهم ربطاً عقلياً باطنياً بين هذه الفاكهة وفاكهة الموز رغم الاختلاف الكبير بينهما.
وذلك يرجع إلى تزامن زيادة استيراد الموز وانخفاض أسعاره بالتزامن مع بدء موسم الحمضيات، وهذا يدفع المستهلكين نحو شراء الموز على حساب الحمضيات المحلية، فتنخفض أسعارها إلى حد التكلفة أو دونها نتيجة لذلك.
وعلاوة على ذلك، فإن المزارع أمام خيارين في مسألة التسويق المحلي، إما التعامل مع السماسرة والوسطاء الذين يدفعون سعراً منخفضاً عن سعر السوق. أو أن يقوم بنقل محصوله بنفسه إلى أسواق الهال وستكون تكلفة النقل في هذه الحالة كبيرة نظراً لقلة الكمية المنقولة. أي أن كلا الخيارين يخفضان نسبة ربح المزارع المتعسر أصلاً بانخفاض سعر سوق الحمضيات.
وقال أحد التجار من ريف دمشق لـ”سناك سوري” في حديث غير رسمي، إنه سيضمن هذا الموسم بساتين الليمون. ويشترط بألا يباع الكيلو بأكثر من 1000 ليرة، لأن كل كيلو يضاف إليه أجور عمال للقطاف ونقل نحو 2000 ليرة. وفي مدينته سيبيع الكيلو بين 4500 إلى 5000 ليرة، أي أن ربحه يتراوح بين 1500 إلى 2000 ليرة وهو ضعف ربح الفلاح. الذي لن يربح 1000 ليرة كاملة حيث سيذهب منها تكاليف مستلزمات الزراعة أيضاً!
وكل ما سبق فرض تدخل السورية للتجارة لدعم المزارعين وتسويق محاصيلهم بنفسها ضمن صالاتها. ولكن الأخيرة -في العام الماضي مثلاً- قامت بدورها بشكل خجول إذ كان استجرارها للمادة ضعيفاً ولا يرقى إلى المستوى المأمول.
استناداً إلى حديث أحد تجار الحمضيات، فإنه يدفع 1000 ليرة لكيلو الليمون على الشجر، ويضيف إليه 2000 ليرة أجور تسويق وعمال، ويربح بين 1500 إلى 2000 ليرة.
معمل العصائر كفيل بحل المشكلة، بعد أن تحل مشكلة تأخر إنشائه
منذ حوالي ربع قرن والمطالبات تتكرر بتشييد معمل للعصائر في المنطقة الساحلية لحل معضلة تسويق محصول الحمضيات. وبالمقابل فإن الوعود الحكومية بتحقيق تلك المطالب تتكرر فقط.
حتى أن حكومة “وائل الحلقي” قد وضعت حجر أساس ذلك المعمل في عام 2015. وبعد 6 سنوات اكتشفت الحكومة أن المعمل غير مجدي، وذلك وفق وزير الصناعة حينها “زياد صباغ” الذي علل تلك النتيجة بأن الحمضيات في الساحل هي حمضيات مائدة ولا تصلح للعصير.
وذلك نقل الأمل نحو إنشاء المعمل عبر القطاع الخاص. ولكن ذلك لم يحدث بعد، رغم تعدد الذين حصلوا على ترخيص لإنشاء مثل تلك المعامل ومن بينهم سامر فوز في 2019. ولكن تلك المشاريع والمعامل لم تنفذ. ما ترك مسألة المعمل معلقة إلى أجل غير محدد.
تصدير الحمضيات له معوقاته
لم يكن دعم تصدير الحمضيات بنسبة 25% من كلفة الشحن، والمقدم من وزارة التجارة الخارجية، كافياً لتذليل صعوبات التصدير. فتلك الصعوبات تتوافد من عدة جهات، أولها منافسة الحمضيات التركية والإيرانية وتفوقها -بسبب ظروفها الأفضل- على الحمضيات السورية في أسواق دول الجوار.
يضاف إلى ذلك تأخير مرور البرادات عند المعابر الحدودية وما يرافق ذلك من زيادة في التكاليف وانخفاض بالجودة، ما يؤثر على القدرات التنافسية.
وحتى أن النيران الصديقة قد تسجل حضورها من خلال بعض قرارات الحكومة والمؤسسات السورية. فمثلاً، وفي الموسم الماضي الذي كانت فيه صعوبات التصدير ضمن الحد المحمول نسبياً. وبشكل مفاجى صدر قرار المصرف المركزي السوري رقم 20 المتضمن تنظيم تعهدات القطع الأجنبي، والذي تسبب بتوقف تصدير الحمضيات كضرر جانبي غير محسوب. علماً أن الحمضيات في بداية الموسم الماضي كانت قد تلقت أضرارها في السوق المحلية مع صدور قرار باستيراد الموز اللبناني.
اجتماع حكومي
وكان ملف تسويق الحمضيات قد شهداً جدلاً خلال الاجتماع الحكومي الأسبوع الفائت، وتخلله تقاذف مسؤوليات بين الجهات المعنية بالتسويق. وقال وزير الزراعة “حسان قطنا”، إن الاستمرار بالحديث بتلك الوتيرة لا يجدي نفعاً.
ولحل المشكلة اقترح “قطنا” عقد اجتماع قريب مع اتحاذ غرف الزراعة ومدراء الزراعة والمصدرين لوضع الحروف على النقاط. وضمان تسويق المحصول 100 بالمئة. والاتفاق على تحديد السعر والتكاليف.
تلك هي قصة الحمضيات في سوريا، مشكلاتها متكررة، وحلولها واضحة. ومعمل العصائر الذي هو الإجراء الأقل تعقيداً والأكثر استقلالاً عن المعوقات الخارجية والداخلية، لم يتم تشييده بعد. ومع تأخر كل من القطاعين العام والخاص بإنجازه، يبدو أن الأجدى للمزارعين أن ينجزوه بأنفسهم.