أربع ساعات وعشر دقائق للوصول إلى الاحتفال بتقاعد صديقتي
تسقط الصداقات بزمن البطاقات
لا أريد الاستسلام وتقييد حركتي، لكمية البنزين المخصصة لسيارة عائلتي في البطاقة الذكية، والتي بالكاد تكفي للخروج إلى عملنا أنا وزوجي من منطقة سكننا في إحدى ضواحي “دمشق” إلى مركز عملنا قلبها.
سناك سوري – لينا ديوب
وافقت على دعوة الصديقات للاحتفال بصديقتنا التي تقاعدت حديثاً، خرجت من بيتي في الواحدة والنصف ظهراً، يدفعني الحماس للقاء الصديقات إلى عدم التفكير بحرب الانتظار والمزاحمة على مواقف السرفيس، للفوز بمقعد ولو كان زاوية حديدية لتلك المقاعد الجانبية المخالفة التي أضافها السائقون على سياراتهم، لتحمل المزيد ممن تركتهم أزمة المواصلات يتجمعون على المواقف أو مفارق الطرق التي تؤدي إلى بيوتهم، حالفني الحظ أنني لم أمشِ أكثر من مئة وخمسين متراً قرب بيتي لأعيش أول فرحة في رحلتي، التي استمرت حتى السادسة إلا ثلث مساءاً لحظة وصولي إلى الحي الذي تسكن به صديقتي صاحبة الدعوى.
في المحطة التالية بينما أتقدم لفتح الباب القريب من السائق، تلقيت ضربة غير مقصودة على زاوية عيني من رجل يسابق الزمن للوصول إلى ابنته لاصطحابها من مكان عملها، حسب ما فهمت من مكالمته معها، طالبا منها ألا تخرج للشارع لانتظاره خوفا عليها من البرد، بادر للاعتذار وهو يأخذ الأجرة مني، قلت له لا عليك.
اقرأ أيضاً: سوريا.. مئات العمال استقالوا من الوظائف الحكومية بسبب أجور المواصلات
منعني تغيير السائق لخط السير هرباً من الازدحام، من الدخول في سوق “ساروجة” لأحمل بعض الكعك للصديقات من فرنها الشهير، وجدت نفسي وسط زحمة جديدة تحت جسر “فكتوريا”، تركتها واتجهت نحو جسر الرئيس، لم يكن الحال أفضل، قبل أن أقرر العودة إلى منزلي، جربت على طريقة المسابقات التلفزيونية الاتصال بصديقة من الشريحة التي ستحرم قريباً من الدعم لأن سيارتها أكثر من 1600 سي سي وزوجها مسافر، ومن حظي الوافر أنها لم تزل تنتظر ابنها في مكان عملها، مشيت إليها باتجاه فندق “الشام”، وتوجهنا إلى المشفى الجامعي حيث ينهي ابنها طبيب المستقبل تدريباته في قسم الإسعاف.
أخيرا نحن الصديقات الثلاثة في مدخل حي صديقتنا صاحبة الدعوى، نسخر على رغبتنا في الاحتفاء ببعضنا، ورغبتنا باللقاء، ننظر بوجوه بعضنا ونقول ضاحكات: «تسقط الصداقات بزمن البطاقات، الزمن الذي استغرقناه للوصول إلى صديقتنا في أحد أطراف “دمشق”، كان أوصلنا إلى “دبي” حيث حصل زوجها على بطاقة الإقامة الذهبية لفنه المميز».
وين الصحفية؟ قالت إحدى الجارات فور فتح الباب، متابعة: «قال الحكومة بدها تعمل قانون للعنف الأسري، والحكومة بدها ترفع الدعم عن الأسر التي الزوج فيها مسافر أكتر من سنة، الحكومة ما بتعرف انو في كتير أزواج ع الورق بس، منشان ماينقال مطلقة، ومنشان شغلات تانية، لأن الحكومة مو معذبة حالها بأي حماية للزوجات».
بعد خروج الجارة قررنا الاستمرار بتناول عشائنا مع تأجيل الحديث عن دوامة العنف التي نعيشها، لنستمر بلقاءاتنا ونلغي قرار إلغاء الصداقة، لأنه قد يلغى من نفسه تدريجياً مع قرارات الحكومة بربط حياتنا ببطاقة تلغي كل يوم خدمة جديدة لحياتنا اليومية، أم أنها تؤسس لشبكة مواصلات عامة تربط المدينة كالشرايين ونتحرك كالدماء.
اقرأ أيضاً: صورة مثيرة للجدل …. سيارة القمامة أحدث وسائل نقل السوريين