أحمد الوعري يقدم مقاربة أخرى للمأساة السورية.. الوجع في لوحة
أحمد الوعري الفنان الذي ارتبطت أعماله بالحالات النفسية والشعورية للمجتمع
«يطرقُ الفن أبواباً أخرى لمقاربة المأساة.. هو بمثابة تضميد للجرح وتحويل الواقع المُر إلى عمل فني يجعل التعاطي معه أقلّ قسوة». بهذه الكلمات يصف التشكيلي “أحمد الوعري” دور الفن في حياة البلاد المُتعبة التي تفقدُ شبابها وفنانيها كل يوم.
سناك سوري – حلا منصور
أصبحَ “أحمد الوعري” (34 عاماً) واحداً من الوجوه الفنية السورية ذات البصمة المميزة، في سعيهِ الدائم لانتهاج طريق خاص به. حيثُ ترتبط أعماله بالحالات النفسيّة والشعورية للمجتمع. إضافةً لتبنّيه مفهوم ضرورة أن تستقرّ اللوحة من خلال الجوهر الذي تحمله في وجدان وذاكرة المُتلقّي.
ويركزّ “الوعري” في لوحاته على وجه الإنسان بوصفه مركزاً للوعي. ونلاحظ وجود رموز مثل اليد والقناع والشريط اللاصق على الوجه والجسد.
يشرح عن رمزيتها في حديثه لـ سناك سوري قائلا: «الأفكار وهم، والمشاعر وهم، والعالم المحيط بكلّ ما فيه هو دلالات نحن نقوم بتفسيرها. فكل يد على اختلاف حركتها هي شخص أو فكرة أو شعور له معنى ما داخل كل إنسان. من تجمّع هذه الأيدي يتشكّل الوهم. في معرضٍ سابق كان الوجه البشري على شكل قناع هو وجهنا الحقيقي بوصفنا أشخاص نملك تضارب بالمشاعر والأفكار حدّ فقدان الرغبة بكل شيء. وفي معرض سبقه كان الشريط الشفاف دلالةً عن القيود المعنوية التي تحيط بكل ما نشعر به».
قدّم الوعري ثمانية معارض فردية في غاليري Art house في دمشق، وصفها بالناجحة والمُباعة بالكامل، رغم انتهاكات الحرب وقسوة الظروف. مُعتبراً أنّ المُتلقي السوري متذوّق رفيع للفن، وناقد لا يُستهان به.
إلّا أنّ البحث عن ظروف حياة أفضل كحال جميع السوريين، دفعهُ للبحث عن وجهة جديدة تحتضن موهبته، فكانت “الإمارات” التي منحته الإقامة الذهبية عام 2022. وأقام فيها ثلاثة معارض حتى الآن، إضافة لمعرض قدمه في القاهرة، بمثابة فرصة للانتشار وتقديم لوحاته بين شعوب وأمم مختلفة. وهو ما كان ضرورياً بحسب “الوعري” لمعرفة مكانه على خارطة الفن العالمي من جهة، ومن جهة أخرى لاختبار الحياة من وجهة نظر جديدة تُضيف للوحات.
كل يد على اختلاف حركتها هي شخص أو فكرة أو شعور له معنى ما داخل كل إنسان. من تجمّع هذه الأيدي يتشكّل الوهم الفنان التشكيلي أحمد الوعري
إلّا أنّ ذلكَ لم يعزل لوحات “الوعري” عن الوجع السوري الذي يتسرّب إلى لوحاته من حيث لا يدري حسبَ وصفه. فعلى الرغم من سفره الكثير إلّا أنّه ما زال يقضي أشهر طويلة في سوريا يرسم فيها أغلب لوحاته. وهو ما يعني وصول كل ما يجري إلى لوحته بشكلٍ أو بآخر ، لتبقى الصبغة السورية موجودة حسبَ رأي روّاد معارضه.
ويشير الفنان السوري إلى الأحلام الكبيرة التي تكبر كلّما اقترب منها. لكن إن كان له أن يُلخّصها بأمل واحد سيكون أن تغيّر لوحته شيء في حياة شخص ما للأفضل.
سلسلة معارض أقامها ابن مدينة “حمص” كانت حصيلة جهد وموهبة فطرية اكتشفها “الوعري” مذ كان عمره ثلاث سنوات. حيثُ كان يحاولُ اختزال العالم بلوحة ويدعو الضيوف لمشاهدة رسوماته. التي يعلّقها على الجدار وسط ذهول أهله وأقاربه بموهبته. فيما بات إيمانه اليوم راسخاً بأنّ طريقه كانَ واضحاً من البداية. ولم يكن خيار الاقتراب أو الابتعاد عنه بيده. إلّا أنّ الرحلة كانت مفعمةً بالمتعة والتشويق حسب وصفه.
رحلة “الوعري” في درب الفن التشكيلي بدأت من معرضه الأول الذي أُقيمَ في “حمص” عام 2013. لتتوالى بعده المعارض في “دمشق” ويلمع اسم الرسام الشاب الذي ينظر اليوم إلى معارضه السابقة بوصفها تدويناً لذاكرته. التي أصبحت أكثر قدرة على التعاطي مع الحياة لتحويلها للوحات.
وقد حملت أسماء معارض الفنان الشاب دلالةً على أهمية العلاقة بين الإنسان ومشاعره وتأثيرها عليه. فكان معرض ” كَمكان” يروي حكاية أشخاص حملوا مدنهم بداخلهم. وبعده “الآن” الذي اختصرَ لحظة واحدة حملتها اللوحة لا يشبه كل شي قبلها ما بعدها. إلى معرض “أمّا بعد” و “انطباع أول” و “انطباع ثانِ” وصولاً إلى معرضه الأخير بعنوان ” وهم” وهو كنايةً عن كل ما يحيط بكِ إلّا أنت.