لا أدري كيف راودني الكابوس الأخير لكنني سرعان ما اكتشفت أنه أصبح واقعاً وخرج من دائرة الأحلام أثناء محاولتي استخراج آخر نقطة زيت في العبوة.
سناك سوري _ الحالم بالبلاد
إنها الحقيقة إذن. لقد نفذ مخزوني من الزيت والزعتر بعد 34 يوماً لم أتناول فيها أيّ طعامٍ آخر. في وقتٍ استنفذت فيه راتبي منذ اليوم السابع من الشهر واستدنت أجور المواصلات بقية الأيام كي أصل للعمل. حيث أني مضطر لأن أنفق على الوظيفة الحكومية لا العكس.
قبل نحو عام. بدأت بيع ما أملك. بعت هاتفي المحمول ثم التلفزيون فالأثاث واستعضت عن السرير بفراش صغير على الأرض. بعت كتبي ودفاتري ومحاضراتي الجامعية القديمة وهدايا حبيبتي السابقة وما تبقى لدي من ملابس مستعملة.
العرض الوحيد الذي رفضته كان بيع ضميري. وحمّلت مسؤولية ذلك لوالديَّ اللّذين أصرّا على تربيتي على فضائل لم يعد لها متّسع في زمن سعر الصرف وقفزاته.
لقد بعتُ كل شيء. وانتهى الزيت اليوم بينما بقي القليل من الزعتر ورغيفان من الخبز “المدعوم” الذي تتفضّل علينا الحكومة بدعمه. صحيح أن لون الرغيف أقرب للأسود وشكله منكمش على نفسه إلا أنه يسدّ الرمق. وقد اعتدته كما اعتدت كل شيء.
وبعد تفكير طويل. قررت أن أعرض أحلامي للبيع. أن أدخل مثلاً إلى مجموعات البيع والشراء على فايسبوك والتي يتداول مشاركوها البضائع المستعملة. وأكتب لهم “أحلام مواطن للبيع”.
وكي أوضّح العرض للراغبين سأكتب لهم لمحة عن أحلامي. فأنا أحلم ببلاد دافئة لا تهددها الحرب كل 5 دقائق ولا تخاف فيها من تصعيد محتمل لأي سبب ولو كان صفعة رجل لآخر في جنوب المكسيك.
أحلم ببلادٍ لا تنقطع فيها الكهرباء. ولا يخاف أهلها من قانون جرائم المعلوماتية. ولا ينتهي في مطابخهم الزيت والزعتر والخبز المدعوم. بلادٌ لا تأخذ ضريبة من مواطنيها ليدخلوا أرضها. ولا تمنح رواتب شهرية تكفي 3 أيام بعد الزيادة وبرنامج التحفيز الوظيفي.
بلاد لا يتحول فيها شراء موبايل إلى حلم بسبب جمركته المرتفعة. ولا تحتاج الدراسة الجامعية فيها إلى بئر بترول أو منجم ذهب لسداد أقساطها.كما لا ينتظر أهلها صندوق معونة ليسدّوا رمق أطفالهم. ولا يطلب من نسائها تأجيل ولادتهنّ بسبب عدم كفاية الأسرّة في المشافي العامة وعدم وجود واسطة توصلهنّ للعملية بموعدها.
أحلم ببلاد عادية فقط وشقة صغيرة من غرفة واحدة أكتفي بها بفراش على الأرض وطاولة وبعض الكتب والأغاني. حينها سأحب البلاد ولن أعرض أحلامي للبيع.