إقرأ أيضاالرئيسيةيوميات مواطن

سبع سنوات من الحرب: آخر رسائل الجنوب السوري – شاهر جوهر

ابن الجنوب السوري يكتب عن سنوات الحرب السبع.. ربما للمرة الأخيرة!

على سفح الهضبة في الريف الجنوبي الغربي من البلاد. كان ربيع العام 2011 وفيراً. هادئاً ودافئاً. أرض الجوّالة الشعراء وتقاليد الرومنسية للحب العذري. الرجال الشاعرون بالقوة هنا ممن يحمون حريتهم وسلطتهم واستثماراتهم بشراسة. كانوا على الدوام منذ الصغر رسل لطائفة دينية وسياسية مجيدة.

سناك سوري-شاهر جوهر

هم آخر قديسي هذه البلاد ممن حملوا إيمانهم ونفوذهم بلا حب للمناصب وبلا ثروة. لم يكذبوا يوماً و لم يفتروا. على الأقل عبر وسائل الاعلام المحلية. و ليس كما يبوح الدخلاء اليوم علناً بهذرهم ودجلهم. لأنهم لا يسلبون ما لغيرهم لأنفسهم. و لا يتحدثون بالسياسة ولم تخلقهم السلطة. يدعونك للزهد والتعبد فقط. لأنهم يعطون ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

هذا ما كنت أعتقده. ما كنا نعتقده جميعاً. وما كانت تمثله الدراما الوطنية بتكرار. هذا ما تعلّمته طوال ثلاثين عام من وسائل الاعلام المحلية في قرية صغيرة معزولة. فيها مهربون وفلاحون ورجال دين ومخبرين من كل الفئات والشرائح. قلبوا لحاهم وتمردوا على إيمانهم. فهنا لا ينقصنا سوى عربة يجرها حصانان لنقول أننا عدنا للعصور الوسطى.

لكن لم أكن أتوقع أن هدوءاً كهذا كان في دقائقه الأخيرة. و أن تلك المنظومة و كل شيء سينهار في لحظات.

سبع سنوات ويزيد من الحرب. ونحن ننهض كل صباح مثبورين لفقد أحدهم. لموت أحدهم. ولفجيعة ما. وكغيري من الصحفيين المقهورين من أخوين متصارعين أنظر كل صباح إلى وجهي في المرآة. أردد في سرّي كاذباً ومحفّزاً لا أكثر “أنا أعيش حياتي وفق قواعدي”.

سبع سنوات ونحن نسقط كل يوم ونخون كل القواعد. وكل يوم يأتينا شعور أننا قد لا نملك القوة للنهوض. فالخوف والشك وأعلى أشكال القلق يهجمون علينا كل حين. فأنا أعرف الخوف عندما أتخطى باب منزلي لأني أعلم أنه قد يتحطم في أي لحظة بفعل قذيفة. أو برميل متفجر. اغتيال. أو حتى نكسة دينية تؤلم روحي من جديد.

اقرأ أيضاً: حين أصبح “الفقر” رجلاً لجأ إلى ألمانيا!

صديقي العزيز في الضفة الأخرى:

سواء حمل الخبر عنوان (حوران. الجولان . الجبل) أو (درعا. القنيطرة. السويداء) أو حتى (الجنوب) فهي بالنسبة لي ولك ولكل السوريين عناوين ومسميات لسبعة آلاف عام من المحبة و السلام والحياة. بالتالي لن تمحو سبع سنوات من الحقد والكره كل هذا الحب. لأنها ليست سبع دقائق من فيلم إباحي أبطاله مجموعتين من المخنثين خلقتهم بسادية شهوة السلطة.

أقول ذلك لأني أعلم أن حرب الجنوب ليست خبراً صحفياً جيداً. على الأقل بالنسبة لي. لكن من الواجب أن يعلم الجميع أن لدي مثلك. و مثل باقي السوريين. لدي مثلكم جميعاً شكوك لا تنتهي حول حياتي. فقد قمت مثل الجميع هنا بأشياء أخجل من ذكرها طوال سبع سنوات من الحرب ولو تسنى لي تكرارها لما فعلت. لكن من المؤسف أن الأمور لا تجري بهذه الطريقة.

يبدو أني فشلت في توضيح ذلكّ. ولم أحقق هنا ما أبغي. وكثيراً ما تسألني روحي المهشّمة “هل الأمر يستحق كل هذه الخسارات وهذا الجهد”. هل يستحق أن أبقى بين كل هذا الخراب وبين كل ذاك الرصاص مكبّلاً بكل تلك اللحى والمخبرين.

كل الذين يحيطون بي أورثوني الإحراج والقطيعة. ما جعل حياتي هنا ومع هذه الحرب مغامرة مملة. فبعد كل هذا النشح و الإحباط أعي جيداً كم تعبنا وكم جعنا. وكم أن هذه العزلة كما هذه الحرب مؤلمة وموجعة. لكن طالما أني أرى وجه ابني كل صباح أعلم أن هذه الأوقات الصعبة خُلقت لتمر لا لتبقى. ولازال هناك وقت لنرمم فيه أرواحنا وننهض ببلادنا سوياً من جديد.

اقرأ أيضاً: سبب مقنع للجوء … شاهر جوهر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى