ينبغي للريفي أن يقول: لا
دعوة لإعادة النظر بعوامل التغيير الخمس في ريفنا
لا أكثر تعبيراً مما قاله “إدواردو رييس” في قصيدته “مشكلة اجتماعية” عن حياة الريفيين في بلادنا: “أنظر الي – فأنا مشكلة – ما أتعسها من حياة – إنهم يدعوننا أقلية – مشكلة اجتماعية – ولكنني أريد أن أجني الشيء القليل – الذي يساعدني على العناية بأسرتي – فأنا لم آت أطلب الصداقة – وكل ما أريده هو أن أعمل”.
سناك سوري – شعيب أحمد
على ضوء ذلك وقبل أيام وجد عدد من الفلاحين أنفسهم وسط مدينة مجاورة تعج بخيرات الريف في إحدى أسواق بيع اللبن جنوب البلاد حين انهالت المدينة بأكملها وطردت الفلاحين من بائعي اللبن والحليب لأنهم قالوا أخيراً (لا). لا لن تأكلوا جهدنا بعد اليوم، وقرروا فرض تعرفة جديدة لأسعار منتجات الريف وفق ما ينبغي أن يكون، لا كما يريدون هم.
إذ بدأت القضية حين ارتفعت أسعار الأعلاف بفعل الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، أصيب الفلاحون في القرى على أطراف المدن بالبهتان بعد رفض معامل الألبان عبر وسطائهم من موردي الحليب برفع سعر كيلو الحليب، عليه قامت قرى ومزارع صغيرة بالتوقف عن بيع الحليب، وبيعه حراً في السوق، أزعج ذلك المدينة المجاورة بتجارها وسكانها حين ارتفع تلقائياً سعر الحليب واللبن بكل مشتقاته بما يناسب ارتفاع أسعار الأعلاف.
اقرأ أيضاً: قمح سوريا ينجو… تحسن نسبي في الزراعة وطموحات بعودة ناجحة للخلف
كلمتين في الميزان:
نسبة الريف في بلادنا بغير ملامح، لكن من غير المبالغة القول أنها تفوق بعددها الحضر، والأهم في الحديث عن الريف بكل تعقيداته ومشاكله النفسية والاجتماعية هنا أنه وبالرغم من أنه صانع التغيير ولقمة عيش السوريين وسلّة غذائهم على اختلاف انتماءاتهم إلا أنهم (الريفيون) لا زالوا يعتمدون على أرزاقهم وقوت يومهم على مزارع عائلية صغيرة. والملفت أنهم فقراء بشكل كبير. لهذا يكرر الريفيون عبارة “خبزنا ليس فيه ملح” أي عن أن الصنيع الذي يقدمه الريفيون لهذه البلاد لا يكافأ إلا بالإساءة.
يبيع اليوم فلاحون كثر مزارعهم ومصادر رزقهم ويهاجرون خارج البلاد
لو سألنا الآن كم نسبة الفقراء في بلادنا وتوزعها على أرض الوطن لوجدنا بلا مبالغة أن أكثر من ثلثيهم من الريف، ممن تحبذ حكومات بلادنا وفق فلسفتها الاقتصادية القديمة بوصفها بالنائية. مع التنويه ( وهو أمر يتعامى عنه كثر) أن جميع المؤسسات والمشاريع الاقتصادية في مراكز المدن هي قائمة على المواد الأولية والخام القادمة من تلك المناطق النائية، من الجنوب والشمال والشرق ومن كافة اتجاهات البوصلة السورية، وكذلك موجهة بأغلبها إلى فلاحي الريف وبأسعار مضاعفة.
يبيع اليوم فلاحون كثر مزارعهم ومصادر رزقهم ويهاجرون خارج البلاد، ومن بقي منهم بات يستقر في حواضر المدن مذلولاً كأي عنصر غريب، ومن بقي منهم وتمسك بأرضه تحوّل لعاطل عن العمل يعيش على فتات المغتربين والإعانات الحكومية التي لا تغني ولا تسمن، والأهم أنه ضحية للرجال الكبار في بلادنا.
اقرأ أيضاً: أنا أيضاً لا أريد الموت من أجل الوطن – شعيب أحمد
ينبغي هنا في حال لدينا نية في تغيير مصيرنا إعادة النظر إلى عوامل التغيير الخمس المعروفة في الريف والتي تعد مروحة التغيير البنيوي والهيكلي لعلاقة الريف بالمدينة ونقصد بها الأسر المشتغلة بالزراعة والمرأة الريفية والمستثمرين في البنية التحتية والأشخاص المعرضين للخطر وصنّاع السياسة الريفية.موقع سناك سوري.
لأننا في الريف بحاجة إلى حلول لمكافحة الفقر والجوع، وبأشد الحاجة لإعادة صياغة العلاقة بين الريف والمدينة لإزالة الفوارق الطبقية والمناطقية التي تمثل تمييز على أساس العنصر في كسب الوظائف وتوزيع الثروة وما سواه، لأنه غالباً ما يتم تجاهلنا كريفيين، هذا إلى جانب عزلتنا الدائمة عن المجتمع وعدم تمثيلنا كما ينبغي.
لا ينبغي فقط إزالة الفرق بين الريف والمدينة، ينبغي أن يضع الريف أسس المدينة، يجب البحث في تجديد المسار، إذ أنها دعوة لتطوير فهمنا لدور الريف.
كما يمكن القول الريف ليس آمن، سياسات الحماية التي تتبعها الدولة في المدن لا تطبق بأدنى ما نرى في الريف، لهذا يومياً هناك ضحايا الفلتان الأمني على أطراف البلاد، وهو ما يحول دون القدرة على مواصلة الإنتاج والعمل.
كلمة لابد منها:
– لا ينبغي فقط إزالة الفرق بين الريف والمدينة، ينبغي أن يضع الريف أسس المدينة، يجب البحث في تجديد المسار، إذ أنها دعوة لتطوير فهمنا لدور الريف.موقع سناك سوري.
– علينا أن نعترف أن من في المدينة لا يحبون من في الريف، وأنه ينبغي الإعلاء من شأن أولئك العاطلين عن الحياة، كومة الطين السمراء المنتشرين نصف عرايا في الحقول العطشى.
– على الريفي أن يسترد حقوقه، وأن يكون أقوى من ذلك، فبإمكان الريفي أن يقول (لا) والتاريخ يضمن له أنه لن يجوع أبداً، عليه أن يقول (يكفي) بفم ملآن حتى يحترمه الجميع ويتمكن من المشاركة في تحديد مصيره والمساهمة في رسم برامجه وخططه. لأنه يمتلك ما لا يمتلكه سكان المدن ليتحكموا بأرزاقه، لأنه لا يهدأ كالآلة من الصباح إلى المساء ليأكل من في العاصمة والمدن الكبرى من شقائنا وعرقنا المالح لحماً وبيضاً ولبناً وخبزاً وخضروات، وعند أقرب فرصة يختل فيها ميزان القوى الشرائية يكيل المتنفذون في أجهزة القوى الشرائية في البلاد على الفلاحين السبب في انهيار خططهم الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: نحن ننقرض أو في طور الإنقراض – شعيب أحمد