سوريا الجميلةشباب ومجتمع

مبادرة ضيعتنا .. محاولة إحياء الإنسانية غيّرت حياة روّادها

من الموسيقا إلى التراث والبيئة .. حالة مجتمعية مميزة في ملتقى ضيعتنا

تحوّل مقرّ “مبادرة ضيعتنا” في قرية “القنجرة” بريف اللاذقية الشمالي.من مجرّد غرف بجدران أربعة إلى عالم من الأفكار الخلاقة. يجتمع أصدقاء ومتطوعو  “ضيعتنا” في غرفة كبيرة مقسمة إلى زوايا لتتماهى مع مختلف الأنشطة. حيث يلقون بأعباء الحياة خارجاً ويستجمعون طاقاتهم للخروج بحلول ومبادرات تحقق شعار “دور فاعل في بناء مجتمع إنساني”.

سناك سوري- ميس الريم شحرور

تفاصيل المكان وألوانه الزاهية تعكس قناعة أصحاب المبادرة التي ترفض الاستسلام للظروف الراهنة وتفكر بطريقة عملية لتلبية الحاجات المختلفة بدلاً من الانجراف وراء سيل الشكاوى.

“نواة” و”جوقة شغل” و”أخضر”

اتخذ العمل في الملتقى هيكلية منظمة تعتمد على تقسيمه إلى أندية. يُعنى كلّ واحد منها بجانب من جوانب العمل المجتمعي. فقد تحوّلت مبادرة “أخضر” الحاصلة على منحة مبادرات الشباب المقدمة من UNHCR بمجال العمل البيئي إلى “نادي أخضر البيئي” الذي يدرس البيئة بشكل غير تقليدي من خلال إنشاء مخابر بيئية مصغرة تمكّن المهتمين من التعرف إلى جذور المكونات البيئية من عدسة مجهر.

أمّا بمجال التراث فصارت مبادرة “ستي وجدي” نادياً رسمياً معنيّاً بإحياء التراث المادي واللامادي. مروراً بنادي “نواة” لتمكين وبناء الفرق في العمل المجتمعي. وصولاً إلى نادي “جوقة شغل” الذي يقدّم ورشات تمكين اقتصادي يستطيع المستفيدون من خلالها البدء بمشاريعهم الخاصة بعد خضوعهم لسلسلة من التدريبات العملية.

تمكين اجتماعي ثقافي واقتصادي

تعرّف “رواد نمور 20 عاماً” إلى المبادرة من خلال “نادي أفلاتين” المعني بالتربية المالية والاجتماعية للأطفال واليافعين في عام 2018. واستفاد من الخبرات المقدمة خلال هذا البرنامج.

دورات الملتقى وضّحت لي الخيارات المتاحة والتي تناسب ميولي. أصبح لدي هدف أعمل لأجله وتمكنت من اختيار مشروع متناهي الصغر “Makeup Artist” يشبهني آية السيد – إحدى المستفيدات من المبادرة

 

وقال “نمور” لـ سناك سوري: «سمعت عن البرنامج من أصدقائي في المدرسة وبعد اطّلاعي على رؤية النادي أعجبت بها كثيراً ما دفعني إلى الاستمرار فكنت أحد المستفيدين منها. ثم خضعت لدورة تقييم ومتابعة».

ويعتبر “نمور” أنّ الدور الأكبر الذي ساهمت المبادرة به على الصعيد الشخصي يتمثّل بتمكينه ثقافياً وتوسيع مداركه. كما يُرجِع الفضل لمكتبة الملتقى بخياراتها الواسعة في إرضاء شغفه بقراءة عدد كبير من الكتب.

تغيّرت “آية السيد” بعد انضمامها للمبادرة وأصبحت توظف هدوءها وهوايتها في الرسم على الوجوه إلى “مشروع” تستفيد منه اقتصاديّاً.

وتعتبر الشابة أن وجودها في عائلة “ضيعتنا” جعل منها “آية جديدة” من خلال العمل على تمكينها ومتابعتها لتصبح أكثر قوة وإيماناً بذاتها.

تقول “السيد” : «دورات الملتقى وضّحت لي الخيارات المتاحة والتي تناسب ميولي. أصبح لدي هدف أعمل لأجله وتمكنت من اختيار مشروع متناهي الصغر “Makeup Artist” يشبهني».

“صوتك حلو” ونحنا منحبّه

لعلّ تجربة “الموسيقا والغناء التفاعلي” التي نفذتها المبادرة عام 2022 تعدّ واحدة من أهمّ الفعاليات كونها تشكّل صلة وصل بين مختلف الفئات العمرية. لتشجيعهم على الغناء ومساعدتهم على إظهار مواهبهم مهما بدت خجولة.

الإنسان هو محور أي نشاط ومتى ما عملنا على تمكين الإنسان بالشكل الصحيح. ستكون نتيجة ذلك إيجابية على كافة الأصعدة الأخرى منار عبود مؤسّسة مبادرة ضيعتنا

 

“آلاء حيدر” (24) عاماً إحدى المتطوعات في المبادرة. قالت لـ سناك سوري «تجربة المشاركة في مبادرات الموسيقا التفاعلية هي الأكثر خصوصية بالنسبة لي. غنّيت واستمتعت بالغناء بالرغم من اعتقادي بأن صوتي عاديّ، هذا سمح لي بأن أصبح أكثر إيجابية خصوصاً بأن الجميع كان يستمع ويصفق ويتفاعل معي».

طموح مداه الإنسانية

تؤكّد مؤسِّسة “مبادرة ضيعتنا” ورئيس مجلس الإدارة السيدة “منار عبود” في حديثها لـ سناك سوري أنّ الأنشطة بدأت في الريف قبل سنوات عديدة من تحوّلها إلى “مبادرة” بترخيص رسمي عام 2016. لطالما اعتقد مؤسسوها ومتطوعوها بأنّ الإنسانية قرية واحدة لا تتجزأ ومن هنا تمّ اختيار اسم المبادرة “ضيعتنا”.

تقول “عبود”: «حاجات الإنسان متداخلة ولا تنفصل. لذلك عندما بدأنا بالتخطيط للعمل وضعنا في الحسبان مراعاة كل مستويات الحاجات وتلبيتها بشكل متزامن. ومن هنا أطلقنا ورشات تمكين اقتصادي بالتوازي مع بناء القدرات المعرفية ومساعدة الأشخاص على التفكير بإطلاق مشاريع متناهية في الصغر».

وتضيف “عبود”: «الإنسان هو محور أي نشاط ومتى ما عملنا على تمكين الإنسان بالشكل الصحيح. ستكون نتيجة ذلك إيجابية على كافة الأصعدة الأخرى».

الاستجابة للزلزال

تعتقد “مادلين العبدة” (24عاماً)  وهي متطوعة في الملتقى أن المرحلة التي مرت بها البلاد بعد الزلزال وضعت “مبادرة ضيعتنا” أمام مواجهة حقيقية تستهدف تحويل ما تلقوه نظرياً إلى تطبيق عملي.باعتبار أن الحفاظ على القيم الإنسانية هو الهدف الأسمى الذي تصب فيه كل الأهداف التي يؤمن بها الملتقى.

وأشارت “العبدة” في حديثها لـ سناك سوري إلى المهام التي كلفت بها بالقول: «كنا نجمع الملابس ونفرز الأدوية بحيث تصل إلى كل محتاج بسهولة ويسر». وتضيف: «دورنا لم ينته بمرور الزلازل، حتى اللحظة أي شخص من المتضررين يحتاج دعم أو مساعدة سيجدنا حاضرين».

استطاعت مبادرة “ضيعتنا” أن تجمع حولها شريحة واسعة من سكان المجتمع المحلّي. إذْ عُدّت حالة مجتمعية مميزة انطلقت من الريف لتصل إلى نطاقات واسعة لا تحدّها حواجز أو عوائق.

زر الذهاب إلى الأعلى