كيف نكون لاعنفيين – ناجي سعيد

اللاعنف هو القرار الأصعب الذي يمكن أخذه كونه يُلزم الإنسان بالتفكير
سناك سوري-ناجي سعيد
لقد درجت العادة في فترة الثمانينيات وامتدّت للتسعينيّات، أن يتمّ التسويق لتعلّم اللغة بمعيار كمّي. فقد كان هناك كتبًا دارجة في هذا المجال كـ: “تعلّم الإنكليزيّة بخمسة أيام دون معلّم، أو الفرنسية أو أي لغة أخرى”، وقد امتدّت هذه العادة (التجاريّة طبعًا) على المهارات الأخرى مثل: استخدام الحاسوب وغيره. لكن هناك بعض المواضيع لا يمكننا قياس تعلّمها بمعيار كمّي. فلو أردنا أن نتعلّم اللاعنف، فلا بدّ لنا أن نكتسب القيم اللاعنفيّة قبل ذلك.
نعم فلا معيار كمّي يحكم وجود اللاعنف بداخلنا. ولو اجتزأ أحدهم اللاعنف، ووضعه في إطار كمّي، كأنّه يقول بأنّ اللاعنف هو “مرهم” يُشترى من الصيدليّة ويستخدم عند اللزوم. وقدّ تعلمت من خلال دراستي في جامعة “أونور” (الأكاديمية العربية للاّعنف وحقوق الإنسان)، بأن هناك من يرى اللاعنف هو فلسفة حياة ويؤمن بها ويسعى لتطبيقها (أمثال غاندي..)، والقسم الآخر يرى الّلاعنف بطاقات في جيب حكم المباراة: صفراء يُنذر بها، أو حمراء يطرد ويلغي اللاعب الآخر.
وأذكر تمامًا في نقاش عائلي، وقد سألني أخي حين قلت له بأنّي أؤمن باللاعنف: لا أعتقد أن باستطاعة أحد أن يكون لاعنفيًّا. وقد كان رأيي بأن اللاعنف موضوع قِيَمي ونوعي، فلا يمكنني أن أكون كما كان “عصام” ابن الجيران: “أنا مع الآدمي آدمي ومع الأزعر أزعر”. والرد المباشر الذي يحتاج جهدًا ليقنع به أحد، هو: أنا “آدمي مع كلّ الناس” (باللهجة العاميّة). ولا أضع نُصبَ عينيّ إرضاء أحد. فلو سعيت لإرضاءِ أحد، فذلك يعني بالطبع القبول بالتنازل عن بعض من قِيمي على اعتبار اختلاف القيم الطبيعي الحتمي بين الأشخاص، فما يُرضيه لا يُرضيك ولا يُرضيني!!.
اقرأ أيضاً: الضمير واللاعنف – ناجي سعيد
اللاعنف هو القرار الأصعب الذي يمكن أخذه. والسبب علمي وبيولوجي، فاللاعنف يُلزم الإنسان بالتفكير والتروّي في أخذ القرارات اللازمة الملائمة للموقف الذي يمر به. وطبيعة الجسم البشري تخضع لردود الفعل الناجمة عن بعض التفاعلات الكيميائيّة التي يفرزها الجسم بعد امتصاصه الفيتامينات إثرَ تناوله الطعام.
وبسياق متّصل، كيف يمكن أن ينمو الإنسان لاعنفّيًا وهو يُعنّف ويُرهب جسمه بأسوأ أنواع الأغذية؟، هل يمكننا أن نصل إلى بيئة لاعنفيّة وفي الوقت عينه، نرى الأطعمة والأغذية المُضرّة والسريعة تتزايد؟، حيث يطلق البعض على الجيل الجديد جيل “الفاست فود” أو الأكل السريع. فالعملية متكاملة، وهي دائرة لا يمكن كسرها. فلو حدث ثُقب في هذه الدائرة، لأطاح الثُقب بوجود اللاعنف برمّته.
إن المُبالغة التي اعتمدتها في الكلام عن اللاعنف هنا مقصودة جدًّا لوصف استحالة تحقيق اللاعنف. ولو أن الموضوع سهل الحصول، لكان العالم الآن خالٍ من المشاكل والعنف. وصعوبة فهم أو عيش اللاعنف على البشر، تتطابق تمامًا فكرة إدراك وجود الله التي تبلغ من الصعوبة حيّزًا تُشغل الإنسان بها لتلهيه عن الالتزام بالقيم وإتّباعها كي يُرضي ذاته.
يُقال: “الله خلق الإنسان على صورته”، ومن منظور فهم وإدراك الإنسان “المشغول” بقضايا تشبه ما شغل بال “الأمير الصغير”، في القصة الشهيرة للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، تصبح المقولة: الإنسان يتصوّر الله بحسب إدراكه المحدود. ولكي نكون لاعنفيين إذُا علينا توسيع إدراكنا فندرك بأن الله محبّة.
اقرأ أيضاً: غاندي ومفهوم الآخر والحب – ناجي سعيد