الرئيسيةتقاريرمختارات

فزعة السوريين تتجاوز الانقسام السياسي… الاستجابة الإنسانية لزلزال 6 شباط

عابرة للانقسام السياسي.. الحوالات اليومية التي تبرع بها سوريون بين 2-4 مليون دولار

شكل زلزال 6 شباط الذي ضرب سوريا علامة فارقة في الاستجابة الإنسانية السورية، للضرر الذي ألحقه بالسوريين/ات في مناطق تسيطر عليها قوى مختلفة ومتصارعة داخل البلاد.

سناك سوري – بلال سليطين

ساهم في إنجاز هذا التحقيق: محمد المصري – أمل حميدوش

حيث نجحت الكارثة الطبيعية في توحيد جرح البلاد وخلق تعاطف وتضامن غير مسبوق منذ العام 2011 الذي انقسمت فيه البلاد سياسياً. ومن ثم عسكرياً وأصبحت اليوم جغرافيات مغلقة على بعضها البعض تفصل بينها حدود مصطنعة داخل الوطن الواحد.

الزلزال يعيد السوريين لفطرتهم

من أغراض منازلهم ومدخراتهم المحدودة التي أنهكتها الحرب. بدأ السوريون والسوريات بجمع المساعدات والاستجابة لاحتياجات المتضررين من الزلزال في اللاذقية وحلب وإدلب وحماة وطرطوس.

الناشطة المدنية “نجوى الطويل” نظمت حملة تبرعات في السويداء تعاون فيها 280 متطوعاً. “جمعوا المساعدات، أرسلوا شاحنات إغاثة باتجاه اللاذقية وحلب”. بينما أرسلوا إلى إدلب مبالغ مالية كبيرة نظراً لعدم تمكنهم من تأمين عبور الشاحنات.

تقول “الطويل” لـ سناك سوري: «كان الناس يقدمون المواد والتبرعات دون السؤال عن المنطقة التي ستتوجه لها المساعدات. فالاستجابة بأساسها كانت فطرية والجانب الإنساني ارتقى فوق كل شيء».

وتضيف:«هذه المرة الأولى التي أرى فيها السوريين روحاً واحدة هكذا بمواجهة أزمة. منذ ماقبل 2011».

وبحسب استطلاع أجريناه وشمل 36 ناشطاً وناشطة مدنية يتواجدون في مناطق السيطرة الثلاث وفي دول الجوار وأوروبا وكانوا فاعلين خلال فترة الزلزال فإن 75% من المشاركين في الاستبيان يعتقدون أن استجابة السوريين للزلزال كانت عفوية وإنسانية

خطوط الصراع تعرقل الاستجابة العفوية

خلال ساعات جمع السوريون والسوريات في شمال شرق سوريا أطناناً من المساعدات لتوجيهها نحو المناطق المتضررة من زلزال 6 شباط. لكن سرعة الاستجابة الإنسانية لم تكن كافية لوصول المساعدات لمحتاجيها. حيث وقفت قافلة المساعدات لأيام تنتظر سماح القوى المسيطرة على شمال غرب سوريا بدخولها الذي احتاج الانتظار حتى 13 شباط .

استطاعت الحافلة العبور بعد وساطة عشائرية تدخلت لدى السلطات المسيطرة وحَمَلت دخول القافلة على عاتقها. ويقول تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال شرق سوريا الذي نظم القافلة. خلال بيان أصدره أنه استطاع رغم كل التحديات مدّ جسر لكسر الجدار الذي كان من الصعب خرقه. بعد سنوات من انعزال المناطق السورية وأهاليها عن بعضهم.

في حديث لـ “سناك سوري”يقول “أسعد الهادي” وهو أحد منظمي القافلة:«جمعنا قافلة من 82 شاحنة (طعام-لباس-أثاث منزلي-أدوية). وكان شرطنا الوحيد أن تسلم لجهات مدنية وقلنا بوضوح هذه من “الأهالي للأهالي”». وينتقد “الهادي” ما أسماه دور سلطات الأمر الواقع التي حالت دون إرسال القافلة الثانية إلى شمال غرب سوريا.

يعتقد 66.1% من الذين شملهم الاستبيان أن سلطات الأمر الواقع في مختلف المناطق السورية عملت على تسييس الاستجابة الإنسانية وحصرها بمناطق سيطرتها. فيما قال فقط 11% أن السلطات تركت الاستجابة تمضي بعفويتها. الاستبيان

فزعة السوريين …. حراك فردي خارج المؤسسات

اتخذت بداية الاستجابة الإنسانية لزلزال 6 شباط في سوريا طابع “الفزعة” وهي الاستجابة العفوية. واعتمدت على مبادرات أفراد في كثير من الأحيان ليسوا على تواصل مسبق. تعاونوا مع بعضهم وشكلوا مجموعات عمل ميدانية وافتراضية كمجموعات “واتس آب” يعملون من خلالها على وصل المتبرعين بالمتضررين.

تقول “عفراء بهلولي” (متطوعة):«من خلال مجموعة الواتساب تمكنت من وصل أحد المتبرعين مع عائلة متضررة من الزلزال كانت تحتاج تأمين سكن. حيث تكفل المتبرع بدفع الإيجار». وتؤكد “عفراء” أن:«التبرعات كانت عابرة لخطوط الصراع والانقسام السياسي».

إلا أن “عفراء” تعمل في منظمة مجتمع مدني وكذلك “نجوى” لكنهما عملتا بشكل فردي بعيداً عن المنظمات والعمل الرسمي المؤسساتي. و الحال ذاته مع “هبة عز الدين” التي تعيش في تركيا وتعمل ضمن منظمة. فالقيود الرسمية المفروضة على المنظمات وصعوبة حركتها وحركة حساباتها البنكية دفعتها أيضاً للعمل بشكل مستقل بالتعاون مع مجموعة أفراد آخرين في “دمشق- اللاذقية-إدلب-تركيا”.

تقول “هبة” إنهم تجاوزوا خطوط الصراع من خلال التنسيق بين المناطق الجغرافية المختلفة وتلقي تبرعات من مختلف المناطق والانتماءات السياسية. وإيصالها لمحتاجيها بغض النظر عن أماكنهم وانتماءاتهم.

تعزو “هبة” انفتاح السوريين على بعضهم في حادثة الزلزال بشكل مختلف عن كل الأزمات التي ضربت البلاد لكونها “كارثة طبيعية ولا علاقة للسياسة بها”. وترى أن الاستجابة الأولية جاءت من “أفراد المجتمع السوري” وبالتالي جاءت فطرية دون تسييس. يضاف إلى ذلك«حجم الكارثة ووحدة الألم الناجم عنها وعدم قناعة السوريين بالحدود المفروضة بينهم».

أما من الناحية الأخرى فإن المجتمع المدني السوري كمؤسسات وليس كأفراد. افتقد لموقف مؤسساتي واضح وعلني؛ لناحية ضرورة عبور الحواجز والقيود والحدود التي فرضها الصراع. حسب “هبة” وهي مديرة تنفيذية في منظمة عدل وتمكين. بينما الفاعلون المدنيون بشكل مستقل والجيل الجديد من الناشطين والناشطات والمجتمعات المحلية:« استثمروا علاقاتهم البينية. و انشغال سلطات الأمر الواقع في المرحلة الأولى من الزلزال لكي يتجاوزوا كل القيود التي كانت مفروضة سابقاً».

يرى 55.6% أن استجابة مؤسسات المجتمع المدني السوري انحصرت خلال فترة الزلزال ضمن مناطق عملها والقوى التي تسيطر عليها ولم تتمكن من عبور خطوط الصراع. الاستبيان

السوريون في أوروبا شركاء في “الفزعة”

تشارك السوريون في الأيام الأولى من الكارثة وعلى اختلاف مناطق وجودهم شَكلَ الاستجابة الإنسانية الأولية. في ألمانيا تحركت الجمعية الكردية مباشرة بعد الزلزال من أجل التبرع للمتضررين في الداخل السوري. ونظمت عمليات استقبال المواد وتعاونت مع أفراد وجمعيات سورية وأجنبية. ثم أرسلت شاحنات مواد عينية ومبالغ مالية باتجاه الداخل السوري.

يقول “عمر اسماعيل” وهو أحد منظمي الحملة في حديثه لـ “سناك سوري”:«جاءت التبرعات لجميع المناطق المتضررة دون تحديد منطقة بعينها أو مستفيد. كان المعيار الوحيد هو أن تذهب المساعدات إلى محتاجيها في الداخل السوري. وكنا واضحين مع جميع المتبرعين أن هذه المساعدات لمتضرري الزلزال بغض النظر من هم وفي أي منطقة يعيشون وهو ما احترمه المتبرعون وقدروه وكانوا مؤمنين به».

الحوالات .. أكثر وأسهل أشكال المساعدات تدفقاً

تدفقت الحوالات المالية بعد الزلزال نحو سوريا من القارات الخمس وشكلت أوروبا وأميركا أهم مصادر الحوالات التي أرسلها سوريون باتجاه المتضررين من الزلزال. بينما جاءت الحوالات القادمة من السوريين في دول الخليج بالدرجة الثانية وذلك وفق مصدر مالي في سوريا معني بشركات الحوالات.

ويشير مصدر في شركة حوالات نظامية تعمل داخل سوريا ولديها امتداد في كل الجغرافيا. إلى أن الحوالات التي أرسلها السوريون والسوريات بين 7 و20 شباط ضمن الاستجابة الإنسانية لزلزال 6 شباط في سوريا كمساعدات للمتضررين. قد تدفقت من مختلف القارات وكانت تبلغ يومياً قرابة 2 مليون دولار.

بينما يقدر المصدر المالي المتخصص بشركات الحوالات قيمة ما كان يُرسل عبر أفراد من مساعدات مالية “سورية-سورية” خلال أول أسبوعين من الزلزال سواء عبر السوق السوداء أو النظامية بـ ما بين 2- 4 مليون دولار يومياً.

زاد معدل تدفق الحوالات اليومي للأفراد خلال فترة الزلزال بين 2 و4 مليون دولار يوميا وكانت وجهة الزيادة الرئيسية “اللاذقية-إدلب-حلب”. مصدر رسمي

وقد وصلت المساعدات إما للمتضررين بشكل مباشر أو عبر مجموعات تطوعية تعمل معهم، وتم صرف هذه المبالغ بشكل رئيسي “إيجارات للمنازل-توفير أثاث بديل ومستلزمات السكن، مواد غذائية…إلخ”.

أطلق “حسام” وهو شاب عمره 24 عاماً وأصدقاؤه من نفس الشريحة العمرية مبادرة في مدينة جبلة استجابوا خلالها لاحتياجات المتضررين من الزلزال. ويقول “حسام” في حديثه لـ “سناك سوري” إن «80% من المتبرعين/ات للحملة كانوا من السوريين/ات المقيمين في الخارج. وأن هؤلاء المغتربين/ات كانوا يتواصلوا معنا بشكل مباشر أو عبر أشخاص مشتركين لسؤالنا عن احتياجتنا وقيمتها ومن ثم يرسلون المبالغ وكنا بالمقابل نقدم لهم صور ووثائق تثبت كيف تصرفنا بالحوالات التي تبرعوا بها».

ويشير 4 أشخاص يعملون في إرسال الحوالات عبر السوق السوداء إلى سوريا ويعملون في 4 مناطق مختلفة “برلين، أمستردام، باريس، بنسلفانيا” أنهم استقبلوا مئات الأشخاص خلال فترة الزلزال وأرسلوا لهم حوالات موجهة إلى 3 مناطق داخل سوريا “إدلب، حلب، اللاذقية”. ويقول أحد العاملين بالحوالات أنه في إحدى المرات قام بتحويل 9000 يورو أرسلها سوري من برلين وقسمها 3000 لكل منطقة (إدلب-اللاذقية-حلب).

الكلمة … ضمدت جرحاً

من خلال نقاشات أجريناها ضمن مجموعات مركزة بالتعاون مع منصة المجتمع المدني. وشارك فيها 25 ناشطاً وناشطة يعيشون داخل سوريا وخارجها. تشارك المتحاورون الرؤية على أن: «الحرب والحدود التي فرضها الصراع. إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة والمعقدة. استطاعوا أن يشغلوا معظم السوريين بحيزهم الجغرافي الذي يعيشون فيه».

يقول 61.1% من المشاركين بالاستبيان أن الزلزال ساهم في تغليب موقفهم الإنساني على السياسي. استبيان

ويتفق معظم المشاركين/ات في المجموعات أنه خلال أزمات عديدة شهدتها سوريا بين عامي 2011 وشباط 2023 كانت حالات التضامن في غالبيتها العظمى تقوم على أساس مناطقي. من مبدأ:«أنا اعيش في هذا الحيز الجغرافي فأتضامن مع الناس هنا وأنشغل بقضاياهم فقط». وجزء من هذا الانغلاق سببه الخوف الأمني والانقسام السياسي الحاصل بالبلاد.

لكن خلال الزلزال كان التضامن بمعظمه عابراً ويتعامل مع الخسائر والأضرار على أنها وطنية مجتمعة وليست مناطقية مفروزة حسب الجغرافيا أو القوى المسيطرة. ويقول المشاركون في المجموعات المركزة أن تفاعل محيطهم عبر السوشيل ميديا مع الزلزال بدا بمعظمه يتناول كل المناطق المتضررة دون تمييز بينها خصوصاً خلال الفترة الأولى من الزلزال.

تقول “حنين” _ناشطة في شمال غرب سوريا ومشاركة في المجموعات المركزة_ أن هذه الاستجابة أحدثت أثراً كبيراً بالنسبة لنا. وأنها والسوريين في شمال غرب سوريا كانوا ينتظرون هذا التعامل بإنسانية مع الموضوع. مشيرة إلى الأثر الإيجابي لهذا التضامن على مستقبل سوريا وحياة السوريين معاً.

العودة للحدود الجغرافية التي فرضها الصراع مجدداً

بعد الأسبوع الأول بدأت سلطات الأمر الواقع تستوعب صدمة الزلزال وتفرض تدخلاتها على إطار العمل مما أدى بحسب نتائج جلسات المجموعات المركزة إلى بدء مرحلة العودة للجغرافيات المغلقة على بعضها.

وقد ساهم في هذا الانغلاق بعض دعوات التبرع المناطقية التي أطلقتها المنظمات الفاعلة في الشأن الإغاثي فقط وتعمل ضمن مناطق محدودة. حيث حملت هذه الدعوات هوية مناطقية أظهرت تمييزاً سلبياً في بعض الأحيان.

وبحسب نتائج المجموعات المركزية فهناك سببان لهذا التميز.

الأول: أن الجمعيات الإغاثية تعمل في إطار جغرافي محدد يفرض عليها قيوداً من قبل سلطات الأمر الواقع. وهي لاتؤيد هذا الانغلاق المناطقي وإنما مجبرة عليه.

والثاني: أن هناك جمعيات يغلب عليها الموقف السياسي. وبالتالي هي تريد بقاء الجغرافيا منغلقة على بعضها لحين حدوث تغيير سياسي على المستوى الوطني.

في هذا الإطار ترى الناشطة المدنية “هبة عز الدين” أن الجمعيات المدنية السورية غير الناشطة بالمجال الإغاثي استطاعت كسر خطوط الصراع بسهولة والتركيز على القيم المدنية والمواطنة وحقوق جميع السوريين ورفض الحدود المصطنعة. بينما الجمعيات الإغاثية كانت مقيدة بالأمر الواقع فهي بالمحصلة لديها شاحنة مواد إغاثية وتريد وصولها ولا يمكنها الاصطدام مع السلطات في مناطق تواجدها لكي لا تعيق عبورها.

كان دور الجهات المانحة الدولية والمحلية سلبياً في كسر خطوط الصراع وذلك لعدم تبني المجموعات التطوعية غير المؤطرة رسمياً التي انبثقت في الأيام الأولى وعدم العمل معها وتمكينها من أجل توظيف العلاقات البينية التي امتلكتها بين المناطق السورية في استمرار كسر خطوط الصراع وتثبيته كوضع راهن جديد. خلاصات من المشاركين/ات بالمجموعات المركزة

رغم كل السواد المحيط بالزلزال والألم الذي خلفه على السوريين/ات في مختلف المناطق إلا أنه برأي كثيرين استطاع إحداث خرق كبير في جدار الانقسام العميق. وشكل نقطة تحول لم يبنَّ عليها بالشكل المطلوب للاستمرار والتطوير لكنها تبقى نقطة مرجعية يمكن العودة لها في أي وقت للبناء والتحقق من أن العلاقات الإنسانية السورية السورية تفوق خلافاتهم السياسية.ويرى معظم الناشطين/ات أن الاستجابة الإنسانية للسوريين أثبتت أن الحواجز الموجودة داخل الجغرافيا السورية لا تعبر عن رغبة المجتمعات ولا عن قناعاتها وإنما فرضت عليهم كأمر واقع.

أنجزت المجموعات المركزة والاستبيانات بالتعاون مع منصة المجتمع المدني

فيديو+ إنفوغراف: عمرو مجدح – ابراهيم قماز

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى