سوريون عالقون في الشوارع بحثاً عن مقعد في سرفيس
الحكومة مهمتها اليوم تسيير الأعمال.. معقول النقل والمواصلات مو من الأعمال؟
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً، حين قال “محمد عبود” من سكان مدينة “بانياس”. إنه كان قد أمضى ساعتين بانتظار باص يقلّه وابنه إلى مدينة “طرطوس”، فالزحام كبير بغياب الباصات التي ما إن يأتي أحدها. حتى يبدأ الركض والتدافع. إذ يبدو أن أزمة النقل في سوريا تزداد حدة.
سناك سوري- نورس علي، رهان حبيب
“عبود” قال لـ”سناك سوري”، إنه لم يستطع أن يجد أي باص يقلّه بعد، ولولا أنه مضطر للذهاب إلى الطبيب لمعاينة ابنه في طرطوس لكان قد عاد إلى منزله.
إلى جانبه كان يقف “فاطر مسعود” القادم من القدموس علّه أملاً بأن يكون الزحام أخف في بانياس. كما قال، وأضاف أنه انتظر في القدموس قرابة الساعة دون أن يجد باصاً يقلّه إلى طرطوس، ما دفعه إلى الذهاب لمدينة بانياس، الذي تفاجأ بحجم الزحام فيها وها هو ينتظر على أمل قدوم أي باص.
مراقب خط طرطوس بانياس، “محمد ابراهيم:، قال لـ”سناك سوري”، إن سبب الأزمة هو تخفيض مخصصات الباصات. مشيراً أن عدد الباصات على الخط 80 باصاً، 40 منها ترتبط بعقود خارجية، ليتبقى 40 سرفيساً يعملون على الخط، لكن عدم حصولهم على مخصصات كافية دفع معظمهم للعمل نقلة أو اثنتين بحسب كفاية المخصصات ثم الذهاب إلى منازلهم والانتظار.
وبدأت تباشير أزمة النقل في سوريا منذ الأسبوع الفائت، نتيجة تخفيض طلبات المازوت الواردة إلى المحافظات مادفع الأخيرة لتقليل مخصصات الباصات. كما في اللاذقية التي أعلنت الخميس الفائت تخفيض المخصصات إلى 50 بالمئة.
وفي اتصال مع عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع النقل في محافظة “طرطوس”، “آصف حسن”، قال لـ”سناك سوري”. إنهم اضطروا لتخفيض مخصصات الباصات وكافة وسائل النقل العامة ضمن المحافظة بنسبة 40% نتيجة قلة الواردات. مشيراً أنه لا توجد حلول تلوح في الأفق حالياً.
ولم يكن الزحام واضحاً جداً على مدينة بانياس خلال الأيام الفائتة، نتيجة تصادف تخفيض المخصصات مع 3 أيام عطلة. لتبدأ الآثار بالظهور مع العودة للدوام الرسمي اليوم الإثنين. وفي الأحوال العادية فإن كراج بانياس يشهد زحاماً كبيراً دائماً، نتيجة قدوم أشخاص من القدموس ومصياف إليه استعداداً لتوجههم إلى مدينة طرطوس.
تخفيض مخصصات الباصات وكافة وسائل النقل العامة ضمن المحافظة بنسبة 40% نتيجة قلة الواردات، ولا يوجد حلول تلوح في الأفق حالياً عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع النقل في محافظة طرطوس آصف حسن
تراجع الواردات في السويداء
وفي السويداء، قالت “آمال” 45 عاماً، إنها اضطرت خلال الأيام الثلاثة الماضية للانتظار نحو ساعة في كل مرة للحصول على وسيلة نقل تنقلها إلى قريتها “عرى”. مع العلم أنها ليست موظفة وما اضطرها للذهاب بشكل متواتر إلى المدينة هو موعدها مع طبيب الأسنان لاستكمال العلاج.
وتقول “آمال” لـ”سناك سوري”، إنها وبعد انتظار ساعة كاملة حصلت على تاكسي سرفيس توصلها للقرية مع بعض الركاب. بكلفة 15 ألف ليرة للشخص الواحد، رغم أن الأجرة في الباص لا تتجاوز الـ2000 ليرة. مشيرة أن أحد سائقي الباصات قد أخبرها أنه لم يحصل على المخصصات المعتادة من المازوت ولا يستطيع القيام سوى برحلة واحدة.
تخبرنا السيدة أن العشرات من الركاب انتظروا على الشارع المحوري ولم تتمكن السرافيس التي عملت على الخط من نقل كافة الركاب. ومنهم من اختار أن يستقل التاكسي متشاركين الأجرة.
“خالد ذيب” سائق ميكروباص على خط السويداء “الثعلة” أخبر سناك سوري أن ميكروباصات القرية اتجهت للمحطة ولم تحصل على المازوت. وهذا ما يفرض عليهم مشكلة جديدة ففي كل صباح تنقل الميكرباصات عشرات الطلاب والموظفين والعمال وأهالي القرية المضطرون للوصول للمدينة.
“ذيب” أكد أن المشكلة تطورت خلال الأسبوعين الماضيين ليصل التخفيض إلى أكثر من 50 بالمئة مع العلم أن حافلات القرية تعمل للفترة الصباحية. ولكل حافلة رحلتين مسائيتين إلى جانب تخديم قرية “الدارة” وهناك ضغط كبير على الخط الذي يعتبر توقفه مشكلة حقيقية للأهالي.
يضيف: «واقع النقل خلال الأسبوعين الماضيين صعب جدا كسائقين يصل عددنا 13 سائق نحاول قدر الممكن تخديم أهالي قريتنا. لكن أزمة المحروقات تقيدنا فلا مجال للاعتماد على المازوت الحر بسبب غلاء السعر، ولا يمكننا التوقف فهذا عملنا ومصدر عيشنا».
“ذيب” قال إنهم حاولوا التواصل مع المعنيين منذ بداية الأزمة، وأخبروهم أن السبب قلة التوريدات، مشيراً أنهم بانتظار الفرج وعودة الوضع إلى ما كان عليه.
المشكلة ليست في تخفيض الكميات فقط، إنما بانقطاعها ليوم أو يومين من كل أسبوع، بحسب ما قاله رئيس نقابة عمال النقل البري في السويداء “سليم العربيد”. مضيفاً لـ”سناك سوري” أن هذا الأمر تسبب بزيادة الأزمة.
وكشف أن نسبة تخفيض المخصصات وصلت إلى 50 بالمئة، مشيراً أنه حتى اليوم لم تصلهم أي تطمينات بحلول مرتقبة. وقال: «ليس أمامنا إلا الانتظار مع العلم أن سائقينا يقومون بما يستطيعون لضمان حركة الخطوط بالقدر الممكن. واستمرار الوضع على هذا الشكل ينذر بتطور الأزمة وهذا ما لا نتمناه».
حكومة تسيير الأعمال والمواطن بدو تسيير الباصات!
ورغم ازدياد حدة الأزمة إلا أن حكومة تسيير الأعمال لم تصرّح بشكل رسمي حول الأزمة أو أسبابها وفيما إن كانت عابرة. أم أن الوضع سيزداد سوءاً خلال الأيام القادمة، أسوة بالأزمة التي حدثت عام 2022، واستمرت لنحو شهر تخللها عطل كثيرة كسبيل لتخفيف الضغط على المحروقات.
وأعلنت محافظة اللاذقية تخفيض وارداتها من المازوت والبنزين الأسبوع الفائت. الأمر الذي دفعها لتخفيض مخصصات وسائل النقل بنسبة 50 بالمئة. ونقلت صفحة المحافظة الرسمية بالفيسبوك، اجتماع لجنة المحروقات الفرعية التي قررت تخفيض مخصصات البولمان بنسبة 30 بالمئة خلال أيام الأسبوع، و50% يوم الجمعة. كذلك تخفيض مخصصات الخطوط الخارجية بين المحافظات بنسبة 50%. ومثلها مخصصات الخطوط ضمن المحافظة.
وكانت صحيفة الوطن المحلية نقلت منتصف الأسبوع الفائت عن مصدر مسؤول في محافظة دمشق دون أن تذكر اسمه. قوله إن عدد طلبات المازوت انخفض من 16 إلى 12 طلباً يومياً.