الرئيسيةشباب ومجتمع

زوجان سوريان احتفظا برسائلهما لأكثر من ثلاثين عاما

رسائل الحب والغربة بعضها عاشت لعقود وأخرى بعثرها الزمن.. هل تذكرون الرسائل الورقية؟

لا أؤمن أن هناك زمنا جميلا بالمطلق فلكل زمن بشاعته إلا أنني تمنيت دوما لو استطعت العودة إلى زمن الرسائل الورقية التي شكلت جزءا أساسيا  في حياة البشر لعقود طويلة وارتبطت بقصص الحب والرومانسية وكذلك وجع الغربة لكنها بدأت بالتلاشي والانقراض منذ بداية الألفية الثالثة وهو ما يحدث اليوم مع المجلات والجرائد الورقية فرغم مميزات العصر إلا أنه سرق منا بعض التفاصيل الصغيرة التي كانت يوما تعني الكثير.

سناك سوري – عمرو مجدح 

يبوح العديد ممن عاشوا تلك الفترة عن تفاصيل بحثهم في المكتبات عن ورق مميز وخاص يحمل في بعض الأحيان ألوانا ورسوما مختلفة تتغير مع كل مرحلة وكل جيل كما كان الأحباب “يعشقون” الورق بروائح عطورهم المفضلة وتختبئ بين سطورهم الورود المجففة، وكم من بيت نبض فيه قلب عاشق وانتظرت أم بقلق رسالة ابن سرقه قطار الغربة.

في الحقيقة بدأت فكرة هذه المادة عندما عاد صديق إلى منزله في مدينة “حلب”، بعد غياب طويل كان البيت غارقا في الفوضى عثر بين ثناياه على مجلد رسائل يشبه ألبوم الصور يضم رسائل تعود إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي تبادلها والداه أثناء فترة خطوبتهما، كان يشاهده للمرة الأولى ويقلب تلك الأوراق والورد العتيق يحاصرها منذ أكثر من ثلاثين عاما لم يقرأ الرسائل احتراما للخصوصية لكن الفضول دفعه لاختلاس النظر إلى إحداها يصفها بالرسائل الطويلة والمكتوبة باللغة العربية الفصحى تشبه اليوميات كما أن لها بعدا أدبي وشاعري قال لي: «تلك الكلمات أخذت الكثير من الجهد حتى سطرت على الورق لهذا كان حبهم أنقى وأصدق وربما هذا ما جعل كلماتهم تقاوم وتعيش إلى يومنا هذا ولكن نحن أبناء التكنولوجيا والحب الإفتراضي والرسائل الإلكترونية التي تكتب بسهولة وتمحى بكبسة زر ترى هل ستعيش كلماتنا أيضا؟».

مقالات ذات صلة

«متعة المراسلة كما عرفتها لا تضاهيها متعة أخرى تجمع بين الواقع والخيال الحالم الجميل أقرب إلى عالم المثال الذي نشتهي»، بهذه الكلمات بدأت الصحفية “عفراء ميهوب” حديثها لسناك سوري

عايشت “ميهوب” في السبعينات والثمانينات مرحلة الرسائل التي كان مفهومها ومضمونها يتغير من جيل لآخر تقول: «لم تكن وقفا على العشاق وإنّما تشمل الأقرباء والأصدقاء القريبين منا أو العابرين في حياتنا فقد تكون حديثا عن الأحوال والدرس والمطالعات الأدبية المتوفرة، وقد تكون نوعا من بطاقات المعايدة، أما رسائل العشق فحدث عنها ولا حرج إلا من وقوعها بأيدي الأهل أو أحد الغيورين لهذا هي نادرة الوجود بحيث يتم تمزيقها ومحو معالم “جريمة” العشق».

تكشف صاحبة كتاب “حبر وبحر” أن استعارة الكتب كان أهم وسيلة مستخدمه لتمرير الرسالة في مرحلة الدراسة وتضيف : «كان كتاب الأدب خير من يمحي معالم “الجريمة” من خلال الإشارة إلى أبيات الغزل ووضع الخطوط الحمر عليها إشارة إلى لفت النظر أذكر مرة أن أحدهم وضع إشارة إلى بيت شعر : الست وعدتني يا قلب اني / اذا ما تبت عن ليلى تتوب / فها أنا تائب عن حب ليلى /  فما لك كلما ذكرت تذوب/».

ترى الصحفية العتيقة أن الرسالة كانت أرقى أشكال التعبير عن الشوق إلى الحرية والتحرر، من الرقابة المجتمعية والأهلية والسياسة خاصة أنها تتيح أن تكتب ما تشاء من غير حسيب أو رقيب.

اقرأ أيضاً: ابقوا حيث الرقص فالأشرار لا يرقصون.. سوريون تجاوزوا نظرة المجتمع

تتذكر “ميهوب” كيف أثار نشر رسائل غسان كنفاني للروائية السورية غادة السمان جدلا في الأوساط الأدبية وتضيف حول مفهوم الرسالة قائلة: «هو مفهوم سام – بدءا من الرسل – وصولا إلى التربية والتعليم والأدب، ونحن نشهد اليوم نتائج إزاحة هذا المفهوم والتقليل من شأنه، وإشاعة الفوضى لتمرير أخلاق جديدة تخدم مصالح فئة معينة تحدد مصير البشر».

رسائل بين زوجين عمرها تجاوز الثلاثين عاما

ترتبط الرسائل في ذاكرة الصحفية “لينا ديوب” بطفولتها ووقوفها متعجبة ومستغربة أمام دموع جارتها الصبية التي كانت تستقبل رسائل خطيبها القادمة من روسيا بالبكاء قبل أن تقرأها وتعرف فحواها حتى.

كما تتذكر الأحاديث عن رسائل خالتها التي كانت تبعثها إلى الشاب الذي تحب عن طريق ابن الجيران، وعن طرق تبادل الرسائل الأخرى تقول: «في مرحلة لاحقة كان الشاب اذا أعجب بفتاة وهذا ما كان يحدث، يكتب الرسالة ويرسلها مع شقيقته».

تكشف “ديوب” أنها لم تتبادل رسائل الغرام مع زوجها في فترة التسعينات كما السائد لكنهما تبادلا الكاسيتات أو الأشرطة الغنائية التي بدأت بالانتشار وقتها وتتذكر منها “سلملي عليه”، و”كان غير شكل الزيتون” لفيروز و”الف ليلة ولية” و”القلب يعشق كل جميل” لأم كلثوم.

وعن الرسالة الأصدق والأكثر براءة لا تنسى “ديوب” الرسالة التي احتفظت بها ثلاثين عاما، كتبها ابن شقيقتها لأهله وهو طفل في مرحلة الروضة، تاركا حروف رسالته الغاضبة على علبة مناديل ورقية معاتبا والده الذي لم يسمح له باللعب مع أقرانه في الحي، عندما كبر الطفل وأصبح أستاذا جامعيا ووالدا، أهدته رسالته بعد مرور ثلاثة عقود.

تخلصت “سارة الحلبي” من الرسائل التي تبادلتها مع طليقها منذ العام 1997 كان يجرحها النظر إلى كلمات الحب القديمة والتي لم تعد تصدقها وأصبحت حملا ثقيلا عليها هكذا باحت لسناك سوري وأضافت: «الاحتفاظ بالرسائل والورود بات ترفا لا يملكه النازحون أو من يضطر لتنقل من بيت لأخر خلال العام الواحد».

تحتفظ “مريم النجار” برسائل شقيقها بين العامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٤، وتضيف: «لم يكن لدينا هواتف نقالة في ذلك الوقت كانت جديدة وغالية الثمن كان شقيقي في الكلية الحربية بمحافظة حمص ولم يكن يسمح له بإجازة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر كانت الرسائل هي طريقة التواصل بيننا يسلمها إلى أحد ابناء “الضيعة” الذين سبقوه بالالتحاق بالكلية وبدورهم يحملوها إلي في إجازاتهم كان الأصعب هو الانتظار لأنني لا أعلم مواعيد الإجازات ومتى يمكن أن تصل الرسائل».

ما زالت “النجار” تتذكر مشاعرها وهي تفتح الرسالة وتقرأها تصف شعورها قائلة: «ما زلت أشعر بذلك الوخز في بلعومي والدموع التي تتساقط على الورق، اليوم حين تلتقي عيناي بالرسائل أبتسم وأقول لنفسي كم كانت الحياة بسيطة وسهلة كان ذلك البعد الجغرافي ومسافة الساعتين التي تفصلنا عن بعض أكبر همومنا ومشاكلنا».

اقرأ أيضاً: بيوت دمشق القديمة.. نوافذها تروي أسرار جمالها

زر الذهاب إلى الأعلى