حقوق الإنسان عدو الأنظمة وخصومها في المشرق
معيار تقدم الدول هو اقترابها من حقوق الإنسان وبعدها عنها
سناك سوري – بلال سليطين
خلال عقود من الزمن ربطت السلطات في منطقتنا مصطلح حقوق الإنسان بالغرب والعولمة والمفاهيم المستوردة التي تريد تدمير مجتمعاتنا وما إلى ذلك حتى صار من يطالب بهذه الحقوق شخصاً توضع حوله عشرات إشارات الاستفهام.
وحدها حقوق الإنسان القادمة من الغرب كانت مرفوضة بينما ماكدونالد kfc والماركات الأميركية والأوروبية وووإلخ لم يكن هناك أي مشكلة معها، ووكلاؤها كانوا هم أنفسهم أبناء رجال السلطة في مشرقنا الذي نقب آباؤهم رؤوسنا عن الإمبريالية والاستعمار.
ماجعلنا شعوباً مسلوبة الحقوق مهدورة الكرامة تعاني الظلم والقمع والتخلف والجهل ولا تعرف شيئاً عن حقوقها وإنما تعرف حق الحكام عليها وتبنى علاقتها مع الوطن بالعواطف والشعارات.
في تلك الأثناء كان تطور العالم يقاس بمستوى قرب الدولة من حقوق الإنسان أو بعدها عنه، فمعيار تقدم أي دولة كان وسيبقى كفالتها لحقوق الإنسان، وبالتالي كان من الطبيعي أن نكون دولاً متخلفة.
قبل أيام أحيا العالم اليوم العالمي لحقوق الإنسان بعد قرابة مائتي عام على نشوء فكرة حقوق الإنسان التي تعود للقرن الثامن عشر في فرنسا عندما أصدر قانون حقوق الإنسان والمواطنة.
اقرأ أيضاً: جيش المسلمين اللاعنفي … ضمّ 100 ألف مجاهد
ومن بعدها أصبحت هناك دساتير خاصة بحقوق الإنسان منها الدستور الفرنسي والليتواني ومن قبلهما الدستور الأميركي الذي جاء بعد 12 عاماً من الإعداد، وهو أول دستور بعد الحرب الأهلية في أميركا.
إلا أن العالم لم يعرف هذا المفهوم بصورة أممية حتى العام العام 1948 عندما أصدر ما يعرف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المفاجأة في هذا الإعلان الذي يعد المرجعية العالمية أنه نتاج الشرق والغرب معاً وليس جزءاً من مؤامرة على أنظمة الحكم في المشرق كما يدعي ماسحي الجوخ لهذه الأنظمة.
كتب هذا الإعلان بشكل فعلي خمسة مفكرين عالميين على رأسهم المفكر اللبناني “شارل مالك” ومعه الصيني “جيم تشانغ” والأميركية “إلينور روزفلت” والفرنسيان “رينيه كاسان، جاك ماريتان”، مستندين في كتابته إلى المراجع المشرقية والغربية.
ويتضمن الإعلان 30 بنداً هي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان.
وقعت مختلف دول العالم حينها عليه باستثناء 6 دول اشتراكية إضافة للسعودية وجنوب إفريقيا العنصرية آنذاك.
اقرأ أيضاً: السودان طريق السوريين للموت في الصحراء الليبية
في المشرق المتأثر حينها بالموجة الاشتراكية اهتُمَ فقط بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالشكل الذي يحافظ على منظومة الحكم ويتيح لها التدخل بكل مفاصل المعيشة للناس، بينما أهملت الحقوق المدنية والسياسية ما تسبب بأزمة عميقة في مجتمعاتنا، انفجرت نتائجها مع الربيع العربي الذي حول الأخوة إلى أعداء لمجرد الاختلاف بالرأي أو المطالبة بالحقوق.
الغرب الذي اهتم بالحقوق المدنية والسياسية كالهوية والتنظيم والشراكة في الحكم والمشاركة والأحزاب.. إلخ تقدم ووصل إلى أفضل أشكال الدولة والنهضة العلمية والمعرفية، بينما مضينا نحن إلى الجحيم متمسكين بشعارات بلا عمل فكانت النتيجة مزيداً من الخراب والتخلف.
وحقوق الإنسان مفهوم متطور لا يقبل الثبات من مبدأ أن العالم يتطور ولابد من تطور حقوق الإنسان معها فعلى سبيل المثال يعيش العالم اليوم عصر التكنولوجيا ولابد من أن تشمل هذه الحقوق حق الإنسان في الحصول على هذه التكنولوجيا على سبيل المثال.
إلا أننا مازلنا في المشرق لم نصل إلى أدنى مستويات تحصيل حقوقنا ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين فنحن نقارع من أجل حماية حقنا في الحياة وهو الحق الذي تسلبنا إياه الحرب كما تسلبنا إياه الأنظمة.
كثير من أولئك الذين يرفعون شعارات حقوق الإنسان في منطقتنا كانوا أول من أساؤوا لها عندما سخروها فقط لخدمة توجهاتهم السياسية فتعاملوا معها على أنها نقاط يسجلونها في مرمى الخصم السياسي بينما كانوا هم أول من انتهكها في الجغرافيات التي يسيطرون عليها كما يحدث في سوريا حالياً.
للأسف الشديد لم تستطع موجة التغيير في سوريا الاقتراب نهائياً من حقوق الإنسان وراحت المعارضة تنافس السلطة في انتهاكها، فتحول بصيص الأمل الذي تطلعنا له إلى نفق مظلم ليس من السهل الخروج منه.
وبينما يحتفل العالم الحديث بهذا العام بوصوله إلى درجة عالية من الالتزام بحقوق الإنسان نلتزم نحن بالتعامل معها وفق مقولة “دستور من خاطركن لا بتآذونا ولا منآذيكن”.
اقرأ أيضاً: رشا أمٌ تبحث عن هوية زوجها