أنا لا أجيد التكلم باللهجة الشامية كما ينبغي، وهذا الأمر ليس وليد اليوم، ولا كذلك أي لهجة سورية أخرى من تلك التي يتم فيها استبدال حرف القاف بهمزة، و إن حصل وفعلت ذلك كنت كمن “خلط الشامي مع العامي”، لهذا الأمر أنا ولساني الثقيل بهذه اللهجة ذات الأحرف اللثوية الثقيلة عرضة للتنمر المستدام.
سناك سوري -شاهر جوهر
في آخر مرة لي في “دمشق” قبل أيام، زرت إحدى المؤسسات الحكومية لاستكمال إجراء ما، وقفت على نافذة الخدمة، حيث جلس موظف حاد الملامح، بأنف معقوف وعينان حادتان كعينا صقر، إذ أن فرضية أن الطيور تشبهنا نحن البشر هي فرضية أخرى قديمة تراودني مذ عملت كرسوناً في أحد مطاعم “دمشق”، حيث كان المطعم شراكة بين ثلاثة أشخاص، كانوا حين يجلسون مع بعضهم البعض ليناقشوا أمراً ما، أجدني لا أهدأ وأنا أتخيلهم كثلاثة طيور على ثلاثة كراسي.
اقرأ أيضاً: طفل سوري انتحر نتيجة التنمر وآخر أسعف إلى المستشفى
الأول كان يشبه عصفور الدوري، ضئيل برأس دقيق وسريع الحركة، والثاني كذلك رغم أنه ضخم، في حين الثالث كان يشبه طائر الهدهد، يطوي غرّته على جنب ليخفي صلعة صغيرة، تماماً كما راودني اليوم شعور أن يكون أصل هذا الموظف في هذه المؤسسة من فصيلة الطيور الجارحة، إذ يمتلك لساناً حاداً كمخلب صقر دنيء، إذ ما إن بدأتُ بالحديث حتى ضحك ثم طلب مني معاودة ما قلته بلهجتي المحليّة، ثم حدد بالاسم أن أعاود تكرار كلمة (حكي) والتي لفظتها بمعرض حديثي معه إذ لفظتُ حرف الكاف كما ينطق حرف ch في كلمة children بالإنكليزية.
أنا كرجل في الثلاثين أستطيع أن أميز ما بين المزاح والتنمر، فمديري في المطعم في وقت سابق، ذاك الذي يشبه الهدهد، كان رجلاً طيباً ومرحاً، كان كلما أراد المغادرة صرخ بصوت عالي على شركائه بلهجة ديرية (عاوز شين؟) أي يقصد (أتريد شيء قبل أن أغادر؟). وهي عبارة التقطها ولم يتركها من لهجة شاب من “دير الزور” كان يعمل معنا في المطعم.
اقرأ أيضاً: أنا إنسان… فنانون سوريون يطلقون أغنية لمواجهة التنمر
بالعموم لا يزعجني أن يستغرب المرء لهجة شخص غريب، فأنا الآخر حين ألتقي أحد من العاصمة في منطقتي الريفية أشعر بغربته حقاً، تماماً كما أشعر بالدونية وسط العاصمة بلساني الثقيل، كذلك الأمر بالنسبة للأقليات في أي مجتمع إذ يتم التنمر عليها من قبل الأكثرية، لأن الأكثرية هي التي تضع قواعد العيش ونمط الحياة الاجتماعية وهذا هو العرف العام الذي تأسس عليه علم الإجتماع البشري.
والمتنمرون عادة ما يكونوا من المحسوبين على الأكثرية في أي مجتمع وفي أي وقت وهذه هي الحالة المعروفة والغالبة، وفي حال حصل أن مارست الأقليّة التنمر على الأكثرية فهذا يعني أن خللاً عاماً واقعاً في المنظومة المجتمعية.
اقرأ أيضاً: أولاد مسؤولين امتنعوا عن الذهاب للمدرسة خوفاً من التنمر على عائلاتهم